يعمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على إيجاد مَخرج لتقويض المقاومة الفلسطينية في غزة بأساليب متعدّدة بسبب غياب خطة واضحة لهزيمتها والانتصار عليها. فتارةً يرسل «المستعربين» للإيقاع بالمقاومة في فخ قاتل – كما فعل حول «مجمع مستشفى الشفاء»- وتارة أخرى يدفع بقواتِ مخابرات فلسطينية للتواصل مع العشائر الفلسطينية الغزاوية والتحضير لتسلُّم القطاع وفق ما ترغب أميركا.

إلا انه يبدو ان هذه المحاولات، ولو كانت موجعة، مازالت بعيدة عن تقديم «انتصار مطلق» لنتنياهو ليوقف الحرب.

قبل أكثر من ثلاثة أسابيع، دخلتْ فرق عدة من وحدة «المستعربين» (التي تُعرف أيضاً بوحدة «دوفدوفان» أو الوحدة رقم 2017) مجمع الشفاء شمال غزة بعد رصد حركة اتصالات كثيفة تابعة للمقاومة في منطقة المجمع الممتدّة لنحو 42.000 متر مربع. فتمّ إرسال وحدة «المستعربين» للتسلل مع آلاف النازحين إلى المجمع الذي اعتُبر مكاناً آمناً بعدما قامت وحدات جيش الاحتلال بمهاجمته العام الماضي بعد دخول شمال غزة.

وبعد مرور أيام، اكتشف «المستعربون» وجوداً كثيفاً لقوات المقاومة في المحيط خصوصاً من حركة «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، فأرسلوا المعلومات التي أنتجت قدومَ قوات خاصة من البحر، «الشايطيت 13» وهي وحدة كوماندوس بحرية مختصة بالإغارة والتحريب والكمائن والاقتحامات وتتألف من نخبة المقاتلين.

وبعد دخول هذه القوات، تبعتْها قوات الاحتلال التي كانت متمركزة في مكان غير بعيد لتبدأ المعركة الشرسة التي دامت لأسبوعين داخل المجمع.

وقد انسحبت إسرائيل من مجمع الشفاء بعدما أعلنت انها قتلت 200 مقاوم واعتقلت 900 آخَرين واقتادتهم للتحقيق وأنها أجْلت 6000 آخرين عن المجمع ليتسنى لها تدميره بالكامل وتحويله إلى منطقة منكوبة ومحروقة غير صالحة للترميم وفي شكل لن يعود أبداً للعمل مستقبلاً.

ولكن أثناء وجود القوات المحتلة، استطاعت المقاومة - بحسب معلومات «الراي» - إخراج أحد أكبر الفلسطينيين المقاومين المسؤولين عن الجناح العسكري الذي نجا من القتل أو الاعتقال، وكذلك مجموعة أخرى من القادة الميدانيين الذين تواجدوا في محيط مجمع الشفاء قبل دخول جيش الاحتلال ومحاصرته بالكامل قبيل الاقتحام.

إلا أن عدداً من المقاومين والقادة بقوا داخل المجمع واشتبكوا مع قوات النخبة الإسرائيلية، بينما أكملت المقاومة ضرب جوانب القوات المقتحِمة التي خلفت وراءها جثثاً كثيرة تركتها في أرض المعركة بعدما نبشت أيضاً المقبرة التي أنشئت أول أيام الحرب.

ولكن هذه العملية - التي اعتبرتْ إسرائيل أنها كانت ناجحة وشجّعتها عليها أميركا التي تحبذ هكذا «عمليات خاصة» بدل التدمير المطلق الذي دأبت عليه حكومة وجيش نتنياهو منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر- لم تقض ابداً على المقاومة، بل هي معركة بين المعارك.

وقد نادت واشنطن مراراً إسرائيل بالتوقف عن القتل العشوائي للمدنيين والعمل على ضربات عدة دائمة وخاصة تتلخّص بكمائن فردية أو جماعية - كما حصل في الشفاء - لتخفيف وطأة الضغط الشعبي العالمي الذي كشف وحشيةَ إسرائيل تجاه المدنيين وضرْبها بعرض الحائط القوانين الدولية بدعمٍ أميركي مطلق.

واستخدمت إسرائيل «المستعربين» في مستشفى ابن سينا في جنين خلال هذه الحرب لقتْل 3 مقاومين، أحدهم كان يتلقى العلاج، في مخالفة واضحة لقوانين الحرب التي تمنع مهاجمة المستشفيات واعتقال أو قتْل المرضى.

وقد تكوّنت فكرة «المستعربين» باقتراحٍ بريطاني قبل إعلان إنشاء «دولة إسرائيل» الغاصبة، لاستغلال الإمكانات التي يتمع بها اليهود الشرقيون الذين استوطنوا فلسطين عبر انتقاء مجموعة منهم وتجنيدهم في الاستخبارات وزرْعهم في صفوف الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها.

وفي عام 1952، أنشأت وكالة الأمن الداخلي «الشاباك» أول وحدة سرية لمواجهة المقاومة. وعملتْ هذه الوحدة على جمع المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ عمليات دهْم واعتقال في الضفة وغزة وإحباط هجمات أو عمليات للفلسطينيين بعد التوغل بينهم لتغتال أفراداً وقادة وتنشط بتغلغلها داخل صفوف الفلسطينيين المتظاهرين.

وتوجد حالياً أربع وحدات للمستعربين: «دوفدوفان» التابعة للجيش، «ي. م. س.» لحرس الحدود، «مستادا» وهي وحدة تابعة لسلطة السجون و«غدعونيم» التابعة للشرطة.

ولم تكتفِ إسرائيل بإرسال هذه الوحدة إلى أنحاء قطاع غزة شمالاً وجنوباً، بل أعلنتْ «حماس» أنها ألقت القبض على ضباط أمن تابعين لأجهزة الاستخبارات العاملة في الضفة الغربية أثناء عبورهم على متن شاحنات دخلتْ معبر رفح الحدودي بعد التنسيق مع القوات الإسرائيلية الموجودة على الحدود.

وقد حاولت إسرائيل التواصل مراراً مع العشائر للتحضير لفترة ما بعد الحرب، إلا أن زعماء العشائر رفضوا التعاون مع إسرائيل وأميركا التي أرسلت أيضاً موفدين دوليين عنها للاجتماع بهم.

ولكن يبدو أن المقاومة امتصت الصدمات من جهات متعددة وبدأت بإعادة تنظيم صفوفها، كما هي الحال في كل مرةٍ تتعرض لضربة أو لاختراق أمني. فالحرب مازالت دائرة ولم يُكتب النجاح المطلوب لحماية مقعد نتنياهو الذي يترنّح تحت الضربات الداخلية داخل حزبه ومجتمعه والمعارضة وأهالي الأسرى الإسرائيليين المطالِبين بانتخابات مبكّرة لانه يمنع صفقة التبادل.

فإسرائيل مصمّمة على دخول رفح والمقاومة عازمة على منْع نتنياهو من تحقيق النصر الذي يبحث عنه. ومن هنا فإن الحربَ جولات وعضّ أصابع ومازالت بعيدة عن كلمة النهاية.