في خطاب ساخن ألقاه المندوب الروسي في مجلس الأمن الدولي وجههه إلى المندوبة الأميركية حيث قال: «نحن نعلم مَن هو المعتدي، ولكن السارق لا يعد نفسه سارقاً، بل هو يقول نحن نعيد الحقوق إلى أهلها، فمن الصعب علينا منافسة الولايات المتحدة في الاعتداءات على الدول وعلى غزوها للشعوب وقتلها وتدمير ممتلكاتها ولكن الشيء الواضح لا يحتاج إلى توضيح أكثر»...
وأضاف «لن أقوم هنا بسرد قائمة الاعتداءات التي ارتكبتها الولايات المتحدة خلال تاريخها عبر مئتين وخمس وأربعين سنة منذ إنشائها عام 1776 ولغاية اليوم، ولكن هل تظنين أنكم مؤهلون كي تعلمونا دروساً في الأخلاق»؟ ثم أردف قائلاً: «لماذا ترغبون في توقيع عقوبات علينا من البند السابع من ميثاق مجلس الأمن؟ هل تظنون أننا نحن دولة هاييتي، أو نحن جزيرة غرينادا كي تستطيعوا فعل ذلك»؟
وقال المندوب الروسي: «أنتم وحلفاؤكم قمتم بابتزاز مصر عندما أمّمت قناة السويس، واعتديتم على العراق، وسلبتم فلسطين من أهلها أنتم وحلفاؤكم وسلمتوها الى أشتات الأرض وقتلتم أهلها ظلماً وعدواناً، وهكذا فعلتم في كوريا وفيتنام واليابان، وها أنتم تشجعون تايوان على الانفصال عن أمها الصين، ثم دمرتم يوغوسلافيا، وها أنتم تحاصرون كوبا وتتدخلون في الشؤون الداخلية لمعظم الدول لاسيما في أميركا الجنوبية وجنوب آسيا وفي الشرق الأوسط، وفي وسط آسيا كذلك، والآن أنتم تريدون أن تفصلوا أوكرانيا عن روسيا وهي جزء منها على مدى تاريخ روسيا».
ثم قال لها اسمعي جيداً: «إذا لم تكفوا أيديكم عن هذه الغطرسة التي تقومون بها، فسنقوم نحن الروس والدول والشعوب المتضررة من اعتداءاتكم المتتالية مع أولئك المضطهدين بتدمير اقتصادكم حيثما وجد، وفي أي مكان في العالم، وإذا أصررتم وواصلتم الاعتداءات علينا ومحاولة تجويع الشعب الروسي، فإنها (القارعة)، وإذا أنتم لا تعرفون معنى القارعة، فاسألوا عنها المسلمين، فإن ذكرها موجود في كتابهم القرآن الكريم. هذا وقد أعذر من أنذر...».
كان ذلك الخطاب الحاد جزءاً من رد الفعل الذي عانته روسيا جراء الضغوط الأميركية من حربها مع أوكرانيا، ومحاولات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المتعددة نحو إيقاف الحرب عليها بمساعدة الولايات المتحدة وحلفائها، إلا أن تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أغلق الأبواب، وكان آخر تصريح لبوتين قال فيه: «أنا غاضب، ولكن لن أوجه غضبي نحو النساء والأطفال مثلهم وهي إشارة لأميركا وإسرائيل، مضيفاً أنه سيبيد جيش أوكرانيا بالكامل، والذي يتدخل سيلقى المصير نفسه...».
ويبقى السؤال هنا: لماذا ساءت العلاقة ما بين روسيا والولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، ولماذا استعان المندوب الروسي بكلمة «القارعة» في مجلس الأمن الدولي والتي جاءت بالقرآن الكريم؟!
إنّ العلاقة الثنائية بين روسيا والولايات المتحدة سيئة للغاية وذلك لعدم وجود علاقة طيبة واتصالات رفيعة المستوى بينهما، ولعل أبرز أسبابها كان التصعيد الأخير بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، حينما اتهم كلاهما الآخر بأنه «قاتل»!
لذلك، هناك احتمالات من تطور هذا التلاسن الى تصعيد سياسي أو عسكري حقيقي بين البلدين، ويظهر الرئيس بايدن عدائية حادة لنظيره الروسي بوتين بشكل لا يوصف، ولا يمكن التعامل مع هذه العدائية على أنها مزاجية عابرة بل وراؤها شيء من الانتقام!
كما نلاحظ في الوقت نفسه أن الرئيس السابق والمرشح الحالي للانتخابات الرئاسية كان يعتبر الصين كعدو رئيسي له، ولعلنا لاحظنا ذلك من خلال لقائه مع الصحافية الصينية أيام موجة فيروس كورونا كيف كان خطابه موجهاً إلى الصين وليس مع أي دولة أخرى!
واليوم، عاد الرئيس جو بايدن إلى التحديد التقليدي «للعدو الجيوبوليتيكي» على أنه روسيا وليس دولة أخرى أيضاً!
كما بدأ التصعيد الأميركي ضد روسيا أشد حماوةً مما كان متوقعاً، إذ فتحت إدارة الرئيس الحالي بايدن نيرانها مبكراً ضد روسيا (موسكو) ولم تستثن حتى الرئيس فلاديمير بوتين، الذي يعتبر رأس الهرم حيث طاله الاتهام مبكراً وبوضوح عندما سُئل الرئيس الأميركي بايدن بسؤال: هل تعتقد أن بوتين قاتل؟ أجاب بكل جرأة «نعم أعتقد ذلك»!
وهو الموقف الذي أشعل أزمة ديبلوماسية حادة بين البلدين! وربما تشتعل أكبر بعد حادثة مجزرة قاعة كروكوس للحفلات في ضواحي موسكو، والتي أسفرت عن سقوط العشرات من القتلى والجرحى ومن خلال تأكيدات أن «داعش - خرسان» هو المسؤول الأول عن هذه المجزرة، وسط تحذيرات من استهداف «داعش» لمعظم الدول الأوروبية، فيما يبدو أن الساحة الدولية ربما تكون أكثر جاهزية للعودة الى أجواء الحرب الباردة بالنظر الى السياسات العدوانية التي تنتهجها الولايات المتحدة إزاء روسيا والصين وهو أمر مقلق للغاية...
أما من جانب استعانة المندوب الروسي للقرآن الكريم وبكلمة «القارعة» أمام نظيرته المندوبة الأميركية في مجلس الأمن الدولي فهي أيضاً دلالة أخرى على العلاقة السيئة ما بين روسيا والولايات المتحدة، واحتمالية التصعيد نحو الحرب الباردة بين البلدين، فكلمة القارعة جاءت في القرآن الكريم لتذكير الناس بيوم القيامة، لأنها ستقرع قلوب الخلائق بأهوالها، وذكر الله سبحانه وتعالى بالقارعة ليعظم شأنها، وأن أمرها لخطير، فقال سبحانه: «القارعة، ما القارعة، وما أدراك ما القارعة»، فيوم القيامة يوم يحاسب فيه العباد، وتنشر فيه الموازين، ويعطي المؤمن المسلم كتابه بيمينه والكافر كتابه بشماله، وبالتالي شبه المندوب الروسي قيام الحرب الباردة بينهما كالقارعة، وقال إن لم تعرفوا معناها... فاسألوا عنها المسلمين...
ولكل حادث حديث،،،
alifairouz1961@outlook.com