لم يتطلّب الأمر أن يتذيّل لبنان لائحةَ الدول «الأكثر سعادة» في العالم وتتغلّب عليه فقط أفغانستان بحصْدها لقب «أكثر بؤساء الأرض» ليتبيّن حجم الانحدار في واقع «بلاد الأرز» وشعبها الذي يُلاطِمُ منذ نحو أربعة أعوام ونصف عام واحدةً من أعتى الأزمات المالية التي عرفها التاريخ منذ 1850 ليجد نفسه ابتداءً من 8 أكتوبر الماضي يواجه «عاصفة نارٍ» أطلّت برأسها من جبهة الجنوب التي بات معها الوطنُ الصغير وجمهوريته «المقطوعة الرأس»، في غيابِ رئيسٍ للدولة، بين فكّيْ كماشةِ انهيارٍ نجحتْ الطبقة السياسية في تمويه عوارضه بـ «الأقنعة» وانزلاقٍ يُخشى أن يتحوّل «بلا فرامل» في قلب بركان غزة و«محرقة القرن».
وفيما كانت بيروت عيناً على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية واتجاهات الريح المحتملة فيها، والتي طَبَعها «الرماديّ» مع ملامح ضبْط المواجهات من دون الجزم بخفايا هذا الأمر ولا «صلاحيته الزمنية» المحتملة، وعيْناً أخرى على مساعي «مجموعة الخمس» حول لبنان لإحداث «ربْط نزاعٍ» إيجابي مع أي مرحلة هدنة في غزة عبر تصفيح واقعه المتداعي بـ «درع واقٍ» يشكله انتخاب رئيسٍ للبلاد، جاء نَشْرُ تصنيف الدول الأكثر سعادة برعاية الأمم المتحدة، ليؤكد المؤكّدَ حيال الأفق القاتم لبلادٍ كانت يوماً دُرة الشرقين قبل أن تنقضّ عليها الأزمات، من دون أن تلوح حتى الساعة قطرة ضوء في آخر النفق الذي لا ينفكّ يتمدّد.
وشكّل حلول لبنان في المركز ما قبل الأخير (وبعده أفغانستان) على مستوى الكرة الأرضية، عنصراً إضافياً في «مضبطة الاتهام» للسلطات الرسمية التي تمعن، على مرأى من العالم، في ترْك البلاد تَمضي في قلْب الهاوية، ليس فقط من دون «مظلة أمان» بل مع زيادة «الحمولة» التي تسرّع في الانحدارِ الأعنف نحو قعرٍ بات مزيجاً من نار حارقة أمنياً وركام مالي ومعيشي لا تحجبه مَظاهرُ احتفالية بشهر رمضان المبارك و«قرية العيد» في وسط بيروت أو المعرض الأضخم في «فوروم دو بيروت»، وكأن اللبنانيين يصرّون على العيش ولو من قلّة الموت وعكْس كل الظروف.
وأعطتْ حيثيات ترتيب لبنان، التي ترتكز على استطلاعات رأي يجيب فيها السكان عن استبيانات في شأن درجة السعادة الشخصية وتتم مقاطعتها مع عدد من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، ومنها إجمالي الناتج المحلي ومؤشرات التضامن والحرية الفردية والفساد، صورةً غير مفاجئة عن وضعٍ تنتقل معه «بلاد الأرز» من حفرة إلى أخرى أكثر عمقاً، مع مزيد من تَمَظُهَر عوارض تَحَلُّل الدولة وتفكُّك نظامٍ صارتْ مكوّناته «تتقاصف» ومن دون خَفَرِ على خلفية ملفاتٍ محلية من نوع تعيينات خفر الجمارك ومدى مطابقتها «معايير الطائفية» ومحاصصاتها، فيما القضايا الكبرى مثل تفرٌّد فريقٍ بقرار الحرب والسلم واقتياده البلد وكأنه «مخفورٌ» إلى مواجهةٍ مع اسرائيل تحيي عناصر صراعٍ مزمن يُخشى أنه صار يدور «على رأس» النظام السياسي، وإن كان الملوّحون بأنه بات غير قابل للحياة لا يملكون القدرة على «الطلاق بالتراضي».