بين إعلاء الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله «الصبر الاستراتيجي» بإزاء حرب غزة، حاسماً أن الجبهة اللبنانية لن تُقفل مهما كان الثمن وطال الزمن قبل «الوقف النهائي للعدوان» على القطاع، ومعلناً إياها معركة «عض أصابع والغلبة والنصر لمَن يتحمّل»، وارتسام ملامح محاولاتٍ دولية وأميركية خصوصاً لـ «تنظيمِ» عمليةِ اجتياحِ رفح في ما يبدو «غسل يدٍ» مسبَق من المجازر التي سيرتّبها مثل هذا الهجوم المروّع، بدا لبنان على أعصابه مع التوسع التصاعدي لِما بات أكبر من «مشاغَلةٍ» عبر حدوده الجنوبية وأقلّ من «حرب كبرى» يُخشى أن «رياحَها السبّاقةَ» تلوح من خلفِ تمدُّد رقعة النار وارتقاء المواجهات على المقلبيْن، على مستوى نوعية الأسلحة المستخدَمة كما الحمولة التفجيرية.
وتتقاطع مصادرُ سياسية في بيروت عند التحذير مما ينتظر لبنان، الذي بات أسيرَ مساراتٍ لاهبة يَجْنَح إلى «فوهتها» مكبّل اليدينْ في قرار الحرب والسلم الذي لا شراكةً لأحد فيه مع «حزب الله»، و«مقطوع الرأس» في جمهوريةِ الفراغ الذي يُخشى أن يتمزّق معه ما بقيَ من دولةٍ صارت «هيكلاً عظمياً» في زمنٍ يعاد فيه تشكيل المنطقة والنظام الإقليمي.
ورغم الجهود التي تكثّفها مجموعة الخمس حول لبنان (الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، مصر، وقطر) في محاولةٍ لاجتراحِ مخرج من الأزمة الرئاسية المستحكمة وتوفير أرضية أو أقله «اتفاق إطار» يمهّد لتفاهم داخلي على رئيس توافقي، فإنّ المؤشراتِ إلى «حرب مستدامة» في غزة وامتدادها اللبناني، ومرشّحة لمزيد من عصفِ «الدم والدمار»، لا تسمح وفق هذه المصادر بتوقُّع تطوّر رئاسي «عكْس التيار البالغ القتامة» على الجبهات.
ورأت هذه المصادر أن تَداعي إمكاناتِ بلوغ هدنةٍ في القطاع في أمد منظور سيجعل الأطراف الوازنة في الداخل اللبناني، ولا سيما «حزب الله»، يتصلّب في تمسّكه بمرشحه سليمان فرنجية، ملاحظة أن نصرالله في إطلالته مساء الأربعاء، وجّه رسالتيْن مرمّزتيْن:
الأولى لواشنطن وموفدها آموس هوكشتاين الذي يعمل على حلٍّ لجبهة الجنوب، مفادها بأن الآن وقتُ الحديث مع «حماس» التي تفاوض، وليس من موقع ضعف، باسم محور الممانعة الذي يقف خلف شروطها وخصوصاً «عندما تصر على وقف نهائي للعدوان وهو الموقف الإنساني الجهادي والصحيح مئة في المئة»، مكرّساً بالتالي معادلة أن الإسناد مستمرّ من جنوب لبنان ما دامت حرب غزة مشتعلة.
والثانية للداخل اللبناني، بأن كل الأصوات التي تعلو حيال جدوى «جبهة المشاغلة» والأكلاف الباهظة التي ترتّبها على لبنان لا تقدّم ولا تؤخّر وأن «حزب الله» قال كلمته ومشى إلى الميدان فـ «جبهتنا اللبنانية ستبقى في موقع المساندة أيا يكن الوقت»، موضحاً أن «من يريد تقييم ما تقوم به المقاومة في الجبهة اللبنانية عليه أن يرى ردع المقاومة للعدو عن القيام بحرب على لبنان»، ومضيفاً «الخيار الطبيعي والمنطقي في هذه المعارك على جبهات المقاومة هو عضّ الأصابع (...)».
وفيما برز كلامٌ لمساعدة وزير الخارجية الأميركي باربرا ليف طالبت فيه «إيران بوقف تسليح جماعات في المنطقة مثل الحوثيين وحزب الله»، لافتة في حديث لـ «سكاي نيوز عربية»، إلى أن «حزب الله يقود لبنان إلى وضع خطير، ونتطلع إلى أن تحتكر الدولة اللبنانية السلاح ويكون حزب الله حزباً سياسياً»، فإن التشدّد المزدوج في موقف نصرالله عمّق الاقتناعَ بأن لعبة «الأواني المستطرقة» التي يتشابك لبنان بموجبها مع أزمات المنطقة، خصوصاً حرب غزة حالياً، تضعه هذه المرّة أمام منعطف مفتوح على كل الاحتمالات وأخطرها، وأن الانفراج الرئاسي لم يحن بعد، بمعزل عن كل الحِراك الدولي الذي يعوّل على انتزاع رئيس من فم أي هدنة في غزة لسدّ «ثقب أسود» في الواقع اللبناني.
وفي حين يُنتظر أن يستعيدَ سفراء مجموعة الدول الخماسية نشاطهم الاثنين بزيارة كل من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ولقاء ثانٍ مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، أشارت معلومات إلى أن محطتين مرتقبتين لهم الثلاثاء عند كل من رئيس الجمهورية السابق ميشال عون (كبديل عن زيارة لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يتعيّن أن تغيب عنها السفيرة الأميركية نظراً إلى خضوع باسيل لعقوبات من بلادها)، ثم رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وذلك على وقع تدارُكٍ من بري لِما اعتُبر نعياً لمبادرة «تكتل الاعتدال الوطني»، عبر ترْكها «معلّقة»، في سياق محاذرةِ تصدُّر واجهة إفشالها، كما استدراج الآخَرين لكشف المزيد من أوراقهم المستورة حيال «المرشح الثالث».