الكويت منذ القدم حكومةً وشعباً لم تكن في صف أي معتدٍ غازٍ خصوصاً بعد معايشة تلك التجربة القاسية (الغزو)، ومرارة فقد الأرض والقتل والأسر والتعذيب والتنكيل والتي لم تمر الكويت بمثلها، فكما أن الكويتيين رفضوا الاحتلال العراقي الغاشم لأرض الكويت، كذلك رفضوا الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين، بل رفضوا احتلال أي أرض من قبل أي معتدٍ على شعب من شعوب الأرض، والموقف الكويتي الرسمي والشعبي واضح ومعلن وثابت اتجاه القضية الفلسطينية، ففي المحافل الدولية وفي الأمم المتحدة خطابات ممثل الكويت واضحة في إدانة الصهاينة والدفاع عن المدنيين الفلسطينيين.
فلماذا يحاول البعض تشويه هذا التوافق المتكامل بين الموقفين الرسمي والشعبي، فكلنا مع الوقوف مع أهلنا في فلسطين المحتلة.
خلال الأسبوع الماضي ألغت وزارة الداخلية التجمع المعلن بوسائل التواصل الاجتماعي في ساحة الإرادة لبعض جمعيات النفع العام، وذلك بسبب عدم تقديم طلب ترخيص من الجهة الداعية للاعتصام العام كما ورد في بيان وزارة الداخلية.
ومن تداعيات هذا الأمر أن صدرت بيانات عدة من جمعيات النفع العام تدين قرار وزارة الداخلية، وبأن قرارها هذا مخالف لحرية التعبير، وبأن الاعتصامات والتجمعات وحرية التعبير مكفولة حسب الدستور، وكذلك بعض إخواننا المحامين ادعوا بان ليس من حق وزارة الداخلية التدخل ومنع هذا الاعتصام العام؟
وما يثير الاستغراب بان بعض المرشحين لعضوية مجلس الأمة استغلوا هذا الحدث كبرنامج انتخابي!
وكل هذه الاحداث المتلاحقة دفعتني إلى البحث للتأكد من منهم على صواب؟
وعندما تصفحت الدستور وجدت ما يلي:
المادة 44 من الدستور تذكر فقرتين:
-الأولى، الاجتماعات الخاصة:
وهي التي تتم في المنزل - الديوانية- الشاليه- مزرعة -فهي لا تحتاج إلى ترخيص ولا إخطار حيث يجوز للمجتمعين التحدث والنقاش في أي موضوع.
-الثانية، الاجتماعات العامة:
وهي التي تتم في الأماكن العامة وبحضور جماهير غفيرة كونها دعوة عامة مفتوحة لنقاش أي موضوع عام، وهنا يجب التقيد بالشروط التي وردت بالقانون الذي ينظم هذه الاجتماعات.
بمعنى أن المجتمعين في الأماكن الخاصة معروفٌ صاحب المكان وكذلك معروفون روادها، وان حصلت أي أمور تخالف القانون فيمكن معرفة المسؤول عنها.
أما المجتمعون في الأماكن العامة فلا يوجد شخص مسؤول عن هذا المكان، وكذلك الحضور غير معروفين، فإن حصلت أي مخالفة للقانون فإن من الصعب توجيه الاتهام لشخص معين وقد يؤدي ذلك إلى الفوضى ولأمور أخرى لاتحمد عقباها.
وهنا تذكرت آلية حجز صالات الأفراح:
لا تتم الموافقة على حجز صالات الأفراح في جميع محافظات الدولة إلّا بعد تقديم الطلبات التالية:
1 / موافقة إدارة حجز الصالات في وزارة الشؤون وتقديم المستندات الرسمية لتبيان غرض الحجز - زواج - تمايم - تخرج - استقبال - غبقة -....
2 / موافقة إدارة المباحث العامة بعد أخذ التعهد من مقدم الطلب والذي يتضمن: عدم إطلاق النار -عدم الاستعراض بالسيارة -عدم نصب الخيام خارج الصالة -عدم المشاجرة - الحفاظ على السلامة العامة...
ومن الغرابة هنا أن لا أحد ينتقد أو يرفض هذه الإجراءات بل يتم الالتزام بالشروط دون اعتراض!
- لماذا يرفض الداعون إلى الاعتصام العام تنفيذ القانون؟
- لماذا يستندون إلى الفقرة الأولى فقط والتي تنظم الاجتماعات في الأماكن الخاصة؟
- لماذا يتم تجاهل الفقرة الثانية من المادة 44 من الدستور والتي تتكلم عن الاجتماعات العامة؟
- لماذا ينتهج البعض أسلوب افتعال أزمة بتحدي وكسر القانون؟ فعلاً تناقض غريب؟
-المادة 44 واضحة ولا يستدعي الأمر إلى الجدال.
ختاماً،
نحن لا نفتقر إلى القوانين بقدر ما نفتقر إلى عدم احترامها وعدم تطبيقها، إن تطبيق القوانين هو جزء من ثقافة الشعوب المتحضرة وكذلك أمان للمجتمع، ولذلك لا بد من تضافر جهود أفراد المجتمع وتعاونهم لدرء المخاطر التي تهدد سلامتهم من الدخلاء، وهذا يتطلب مساهمة كل فرد في المجتمع في المحافظة على أمن وسلامة الجماعة.
فالحرية ليست مطلقة ودون حدود ولا تعني مطلقاً فعل كل شيء دون ضوابط ومحاذير، بل الحرية لها حدود وضوابط تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع.
اللهمّ احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمد لله ربّ العالمين.