رغم الاختلافات البسيطة في تعريفات المجتمع تشابهت أغلبها في أن المجتمع هو مجموعة من الأفراد والجماعات تعيش في موقع جغرافي واحد وتربط بينها علاقات متشابهة، وإذا تحدثنا عن المجتمع الإسلامي فنحن نحدد مجتمعاً تجمعه الديانة ويختلف في اللغة أو اللهجة في بعض بلدانه، فيكون على رأس الروابط بين أفراده؛ الدين وما يندرج تحته من تشابهات.

عندما تعرّضت مجموعة من المسلمين في مكة للاضطهاد والتعذيب والتكذيب والقمع من قِبل قريش، قال لهم النبي، صلى الله عليه وسلم، (اذهبوا إلى الحبشة فإنّ فيها مَلِكاً لا يُظلم عنده أحد).

وعلى اثر ذلك ذهب مجموعة من الناس على رأسهم جعفر بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وما أظن الاثنين تعرّضا للقمع كغيرهما من مهاجري الحبشة!

فالأول من بني هاشم المناصرين للنبي؛ مسلمهم وكافرهم وابن سيدهم أبي طالب، والذي يحمي ابن أخيه قادر على حماية ابنه، والثاني من رؤوس بني أمية وصاحب المال والجاه والسيد فيهم، لكن لعلهما كانا يقومان بشؤون المسلمين المهاجرين للحبشة، بعدها بأعوام هاجر النبي، صلى الله عليه وسلم، والمسلمون إلى يثرب فامتزجوا بقبيلة أخرى كانت متناحرة ليتشكّل مجتمع مختلف تماماً عن الأول، وتخلّف بعض من أسلم في مكة ولم يستطع أن يلحق بالنبي فأصبحوا قلة مستضعفين، ليترك لنا النبي، صلى الله عليه وسلم، ثلاثة مجتمعات إسلامية مختلفة الظروف تماماً، فالمجتمع الأول لاجئ سياسي في بلد مختلف العِرق والدين والعادات، والمجتمع الثاني يسود في الأرض التي ينزل فيها ويشكّل القوة رغم وجود من يختلف معه في الدين من مشركين ويهود، والثالث الذي يعيش في مكة مع من يرفضه ويرفض الاعتراف به، بل والساعي لقمعه ليصبح مستضعفاً مفتوناً لا يأمن على نفسه ولا يجد من يحميه، فنجد في تلك الأمثلة ثلاثة نماذج مختلفة في الظروف والحال والواقع وما يترتب على تلك الظروف من واجبات من الفرد تجاه مجتمعه ومن المجتمع تجاه واقع الحال الذي يعيشه.

أعتقد أن المجتمعات المسلمة اليوم تتشابه إلى حدٍ كبير والنماذج الثلاثة التي تركها لنا النبي، صلى الله عليه وسلم، في حياته ليعلمنا الأسلوب المعيشي الذي نتّبعه في أي نموذج منها، وكذلك إذا اختلفت الظروف والمعطيات فلا بد أن يختلف التعاطي مع الحياة، ولعل التأمل في تلك الظروف يلهمنا سنة نبوية غفلنا عنها، وكذلك مهمة كل مجتمع مع اختلاف ظروفه والدور والمهمة المترتبة عليه، وفي النهاية يكون الهدف الصبّ في مصلحة الدعوة الإسلامية من جوانب مختلفة ومتعددة في غاية واحدة.