شكّل مسرح الطفل في الكويت أواخر السبعينات من القرن الماضي منعطفاً أدى إلى ظهور مسرح استعراضي استمر إلى يومنا الحالي.
فمسرح الطفل في الماضي كانت له نكهته الخاصة والمميزة، رغم بساطته في كل شيء، لكن مع مرور السنوات وتطوّر المسرح في ظلّ التكنولوجيا، أصبح شكله مختلفاً ظاهراً ومضموناً، بحيث بات الإبهار البصري الممتزج بجميع التقنيات التكنولوجية واضحاً بشكل كبير، في سبيل الوصول إلى الطفل المواكب لهذا الأمر.
«الراي»، ومن هذا الباب، أجرت استطلاعاً مع عدد من روّاد مسرح الطفل والمختصين الأكاديميين، لمعرفة أوجه الاختلاف بين الماضي والحاضر في هذا اللون المسرحي، وما مدى صعوبة التواصل مع الطفل في ظلّ التكنولوجيا المتطورة، حيث أكد البعض منهم على أن بساطة الحكاية المسرحية هي ما تجذب الطفل إلى «أبو الفنون»، حتى في زمن الحداثة...
عبدالرحمن العقل: كل شيء تغيّر
اعتبر الفنان عبدالرحمن العقل، أحد رواد مسرح الطفل، أنه «شتّان ما بين مسرح الطفل في الماضي واليوم، إذ أذكر أن أول مسرحية طفل قدمتها (السندباد البحري) في العام 1978 كانت بإمكانات جميلة وبسيطة، حيث كان الديكور واحداً لا يتغيّر، كذلك بساطة النص والإضاءة والأداء».
وأضاف «أما اليوم، كل شيء تغيّر في مسرح الطفل كالاستعراض والأغاني والألحان، حتى أسلوب الإخراج بات مشوقاً يجعل الطفل منجذباً إلى الأحداث ويتتبعها حتى النهاية، على عكس الماضي الذي اعتمد على سرد القصة».
وتابع: «طفل اليوم ذكي جداً، وعقليته تختلف تماماً عن عقلية طفل الماضي، وهنا لا أقول إن أطفال الماضي أغبياء، بل هم أذكياء أيضاً لكن إمكاناتهم مرتبطة بالمدرسة فحسب ولا يوجد هاتف أو آيباد في أيديهم، كما هي حالنا حالياً. أطفالنا في وقتنا الحالي سيطرت عليهم التكنولوجيا بشكل كبير، وأصبحوا يعرفون كل شيء (ما تقدر تقصّ عليهم)، لذلك يجب أن تقدم لهم في المسرح أموراً ليست موجودة في البيت أو المدرسة وحتى في الآيباد».
وأردف: «لا مانع من الاستفادة من خبرات الأجانب في ذلك، وإضافتها إلى عروضنا المسرحية، فالفن الحقيقي من وجهة نظري هو أن أجعل الطفل يحب مسرحيتي، من خلال عوامل عدة أتبعها، بدءاً من لحظة كتابة النص ووضع الخطة الإخراجية إلى اختيار الممثلين، فالهدف أن أجعله يتوقف عن الأحاديث الجانبية مع أصدقائه خلال العرض، أو عن أكل (النفّيش) حتى، ويحصل ذلك من خلال تقليل الحوارات، والتركيز أكثر على المواقف والاستعراض والأغاني الهادفة قدر المستطاع. ولكم في مشواري الفني العديد من الأمثلة على ذلك مثل (ABCD) التي قدمتها على ثلاث مراحل، وأيضاً مسرحية (أبطال السلاحف) و(بلاي ستيشن) و(السندباد) وغيرها. فمسرح الطفل اليوم لم يعد مجرد (Show)، بل علم يُدرّس في الجامعات».
زهرة الخرجي: إعادة ترسيخ
رأت الفنانة زهرة الخرجي أننا «نريد إعادة ترسيخ مفهوم أن العقل السليم في الجسم السليم بالمدرسة ومسرح الأطفال»، لافتة إلى أن «مسرح الطفل في الماضي كان يعتمد على المباشرة في الطرح، كما ان كل شيء فيه مختلف عما نشاهده اليوم لناحية النص والكلمة والأغاني والموسيقى وخلافه. ولا أقول هنا إن ما تم عرضه في الماضي هو الأفضل، لكن كان فيه وضوح وترسيخ. أما اليوم، فهناك عرض جميل وكلمات جميلة وإيقاعات رائعة ولياقة عالية وفنانون نجوم، لكن ينقص الحس التعليمي وترسيخ الأمور الوطنية والإنسانية».
وأضافت «كما انه من أجل مواكبة التكنولوجيا وعقلية الطفل، يجب أن تتم بهرجة المسرحية بشكل مكثف، مع إيصال المعلومة بخفة أكثر واستخدام تقنية اللف والدوران، وفي ظل هذا كله نرى أن الأهداف التربوية قد غابت في غالبية المسرحيات».
وتابعت: «هنا، لا أنكر أبداً أن مسرحيات الأطفال اليوم أغلبها مستوحاة من قصص عالمية، وتتم ترجمتها فوق الخشبة باستخدام تكنيك عالمي يقوم به مجهود من الشباب المبدع من مخرجات المعهد العالي للفنون المسرحية».
وأكملت: «أذكر في الماضي أن الطفل كان يأتي إلى المسرح بعد المدرسة، ويشاهد العرض وهو في قمة الاندماج والتواصل المباشر مع الحدث، كأنه وصل إلى مدرسة ثانية، لأننا كنا نحرص على تقديم مسرح منظم لتربية الطفل ونموه وثقافته»، مردفة: «اليوم، ومع الأسف، تجد الكثير من الأطفال يمسكون الأجهزة الإلكترونية في اليوم لأكثر من 10 ساعات، ما يجعل أجسامهم تنمو من دون حركة، كما انهم يتقمصون غالباً اللعبة التي يمارسونها إلكترونياً، وهو ما الذي يجب أن يتم التركيز عليه في مسرح الطفل اليوم كونه ناقصاً على عكس الماضي، من خلال سحبه ثقافياً وجسدياً وعقلياً».
بدر محارب: لا تزال مسرحياته خالدة... منذ 30 عاماً
الناقد والكاتب المسرحي بدر محارب، قال: «كان مسرح الطفل في الماضي يعتمد كثيراً على المضمون مع اهتمامه بالقيم التربوية والاجتماعية والأخلاقية، كالأمانة والصدق واحترام الكبير، أكثر من اهتمامه بالإبهار واستخدام التكنولوجيا. وفي يومنا الحالي أصبح الاعتماد أكثر على الإبهار البصري والتقنيات مع استخدام التكنولوجيا لإيصال الفكرة التي ابتعدت عن الأفكار المقدمة بالماضي، في ظل رصد ميزاينات ضخمة على عكس الماضي».
ومضى يقول: «بعض مسرحيات الماضي اعتمدت على الشخصيات الكرتونية أو قصص التراث العالمي، مع محافظة المؤلف على بصمته لناحية القصة المستلهمة من وحي خياله. بينما نجد أن الفكر المطروح في مسرح الطفل الحالي المتجه أيضاً للأعمال العالمية، أنه يقتبس الشخصيات والأزياء والتكنولوجيا مستخدماً القصة ذاتها، بالتالي لا نجد بصمة للمؤلف بل مجرد تقليد بالشكل والمضمون».
واستطرد أن «مسرح الطفل اليوم اختلطت أموره من حيث الأفكار المطروحة، فلا تعلم هل هي للطفل أم للمراهق أم للكبار، بينما في الماضي كانت تعتمد في فكرها على الطفل فقط، لهذا ما زالت مسرحيات الطفل التي قدمت قبل 30 عاماً خالدة رغم قلّة الاستخدام للتكنولوجيا والتقنيات».
عبدالناصر الزاير: اعتمد على الشركات الخاصة
قال الفنان عبدالناصر الزاير إن «مسرح الطفل في الكويت من بدايته، اعتمد على الشركات الخاصة، ولم تتبناه الجهات الحكومية، حيث بادرت شركة (مسرح البدر) للثنائي عواطف البدر ومنصور المنصور بإنتاج مسرحيات للأطفال، إضافة إلى المسرحيات التي قامت بإنتاجها شركة (مسرح السور) بقيادة الفنان خليفة عمر خليفوه، إلى جانب بعض الشركات الفنية الخاصة الأخرى».
وأضاف «إلا أنه نادراً ما وجدنا في البدايات مسرحيات للأطفال من إنتاج المسارح الأهلية، التي تحمست في ما بعد وأنتجت مسرحيات للأطفال، وفي وقتها الجمهور كان متعطشاً لهذه النوعية من المسرحيات، لأن هناك حاجة ماسة لوجودها، لا سيما وجود المسرح المدرسي. فقد كان هناك تنسيق مع إدارات في وزارة التربية، والدعم كان واضحاً»، لافتاً إلى أن «النصوص التي عُرضت كانت نصوصاً عربية وذات شخصيات من التراث العربي مثل (السندباد البحري) و(البساط السحري) و(ليلى والذيب) و(الشاطر حسن)، وهناك مسرحيات اعتمدت على القصص العالمية، كما هناك من المسرحيات الخاصة بالأطفال التي اعتمدت على الشخصيات الكرتونية كمصدر للمؤلف مثل (نحن والسنافر) و(في بيتنا سنفور) و(فلونة والشناكل) و(الكابتن ماجد)».
وتابع: «تلك التجارب اعتمدت في كل مرحلة من المراحل على جذب الأطفال للعنوان المناسب، لذلك نجحت في تلك المرحلة لأنها ذات محتوى جيد وشكل متواضع أحياناً. وهناك إبداعات قام بها المؤلفون والمخرجون مثل المخرجين نجف جمال وعبدالعزيز الحداد وكاظم الزامل والكاتبين بدر محارب وعلاء الجابر مثل مسرحية (لولو الصغيرة وعلاء الدين) و(كشمش) و(فدوه لج) و(سالي). هذه المسرحيات أكدت نجاحها في ذلك الوقت ثم بدأت تتطور، ولابد من وجود هنّات لبعض العروض لم تأخذ نصيباً من النجاح، وقد تكون هناك عروض نجحت على المستوى الجماهيري لكنها لم تحمل محتوى قوياً».
واستطرد في قوله: «حالياً، مسرح الطفل في الكويت بات متطوراً جداً، وبدأ التنافس القوي في عروضه لأن الطفل تعرّف على وسائل حديثة غير المسرح، أيضاً العاملين في المسرح أصبحوا يواكبون هذا التطور بقدر المستطاع من ناحية الأغاني والرقصات التعبيرية والسينوغرافيا، رغم وجود التغريب أحياناً من خلال القصص وأسماء الشخصيات البعيدة عن البيئة التي نعيشها. لذلك، كل التحية والتقدير للجيل الجديد من عاملي مسرح الطفل».
علاء الجابر: بين الاختلاف... والتوافق
يعتقد الناقد علاء الجابر أن «التقسيم بين الماضي والحاضر لا يتناسب مع مسرح الطفل في الكويت، والتقسيم الأكثر دقة من وجهة نظري يتحدد بالألفية الثالثة (ما قبلها وما بعدها)، لما لذلك من ارتباط وثيق بالتطور الإلكتروني، الذي أثّر على التكوين المعرفي للمجتمع».
وزاد: «هناك كثير من الاختلاف وقليل من التوافق بين مسرح الطفل في الماضي والحاضر، سأذكر على سبيل المثال خمس نقاط، أولها على مستوى النص، حيث كانت أغلب النصوص ما قبل الألفية الثالثة تعتمد على التراث والحكايات الشعبية، أما الفترة الممتدة من عام 2000 وما تلتها فاعتمدت في أغلبها على أفلام الكرتون».
وأردف: «ثانياً، وعلى مستوى الإخراج، فقد تطورت الأساليب الإخراجية كثيراً في الألفية الثالثة، خصوصاً على مستوى التقنيات، كما أصبح أغلب المخرجين من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، وتعدد ظهور المخرج الشامل كما أشرنا سابقاً. وثالثاً في ما يخص مستوى التمثيل، فقد أضاف تخرج عدد كبير من طلبة المعهد عناصر أكثر احترافية في العمل المسرحي المقدم للأطفال وأكثر تطوراً على مستوى الأداء والتكنيك الخاص به، كما توافرت العديد من العناصر النسائية التي كانت قليلة في الألفية الثانية».
وأكمل: «رابعاً وعلى مستوى الديكور، لم تبتعد الديكورات قديماً عن التعامل مع الستائر والأخشاب والديكورات الثابتة الضخمة، الأمر الذي تغير تماماً في الألفية الثالثة، فظهر الاقتصاد في مواد الديكور وسهولة نقله، إلى جانب دخول الشاشات كبديل للديكورات الضخمة وخاصة المصنوعة من الأخشاب».
وعن النقطة الخامسة، قال إنها «على مستوى الأغاني، ففي الفترة السابقة في مسرح الطفل كانت فيها الأغاني أكثر أصالة ومتماسكة، وكان من الصعب أن يكتب الأغاني أي شخص كان، لكن فترة الألفية الثالثة انفرط فيها عقد الأغاني، وللأسف أصبح الجميع يعتقد أنه كاتب أغان لمسرح الطفل، التي لا تتجاوز في عرفه أن ينتهي شطر الأغنية بنفس الكلمة، مع الإخلال الكامل بالوزن والمعنى والمستوى الفني».
وعن صعوبة الوصول إلى الطفل في ظل التكنولوجيا الحديثة، قال: «إن كنا قطعنا مراحل متقدمة تكنولوجيا، وأصبح الطفل يقتني كل الأجهزة والألعاب الحديثة تقنياً، إلا أن الأمر لا يتعلق بالتكنولوجيا من وجهة نظري، فالطفل بحاجة إلى نص محكم، لأنه أساس كل عمل مسرحي، ومن ثم البساطة والصدق في العمل الفني، وسيصل العمل إلى قلبه مباشرة، حتى وإن خلا من التكنولوجيا الحديثة».
محمد الحملي: الطفل يحب البساطة
قال الفنان والمنتج محمد راشد الحملي إنه «من وجهة نظري ومن واقع خبرتي في مسرح الطفل طوال السنوات الماضية، توصلت إلى قناعة تامة بأن الطفل ما زال يحب البساطة في المسرح رغم كل التكنولوجيا التي وصلنا إليها، حيث إنه يفضّل كثيراً أن تكون المسرحيات التي يحضرها بسيطة في موضوعها، وفي الوقت ذاته لا تغيب عن التكنولوجيا (يعني لا نعقّد له الفكرة) بحيث تكون سهلة في طرح الفكرة مع شكل مختلف وجديد ومعاصر».
وختم قائلاً: «لا يمكننا أن نقول إن مسرح الطفل في الماضي اختلف عن مسرح الطفل في زمننا الحاضر، فالأغاني والأزياء والديكور هي نفسها لم تتغير، بل حصل لها تطور فقط. إلى جانب هذا كله، ما زلت على الصعيد الشخصي أعتبر المسرحيات القديمة هي المرجع لنجاح المسرحيات الحديثة».