لم تكن العينُ على جبهة جنوب لبنان أمس نفسها كما في الأيام الـ 79 منذ 8 أكتوبر حين ضَغَطَ «حزب الله» على زنادِ إسنادِ غزة بعملياتٍ مدوْزنةِ في مداها و«حمولتها التفجيرية» و«بنك أهدافها».

فالساعاتُ الماضيةُ حَمَلَتْ مجموعةَ تطوراتٍ بدتْ «كاسرةً» لمساراتٍ جرى الاعتقاد أنها باتت من الثوابت التي حالت دون تحوّل حرب غزة صاعقاً يفجّر المنطقة برمّتها، وبقيتْ معها الحدودُ اللبنانية مع إسرائيل في وضعيةِ انفجارٍ مضبوطٍ بأزرار تحكُّمٍ عن بُعد موصولة بـ «غرفة عمليات» سياسية - عسكرية لـ «محور الممانعة» بقيادة إيران التي أطلقتْ غداة «طوفان الأقصى» تحركاً «متعدد الذراع» والميدان سرعان ما صار «كرة نار» تتغذى من دينامية الأرض وتحوّلاتها المتوالية ويُخشى أن تَتَمَدَّدَ مَفاعيلُها «الحارقة» خارج الحسابات المرسومة.

ولعلّ أكثر هذه التطورات خطورة، انتقال إسرائيل لأول استهداف مباشر لإيران، ولو خارج أراضيها، عبر اغتيال

القائد البارز في الحرس الثوري رضى موسوي (قرب دمشق) الذي يُعتبر من رفاق الجنرال قاسم سليماني (اغتيل بغارة أميركية في بغداد في يناير 2020) ويوصف بأنه ممثل «فيلق القدس» في سورية.

ومنذ أن أعلن اغتيال موسوي، وتحذير طهران من أن إسرائيل ستدفع الثمن و«أن عَداً تنازلياً قاسياً بدأ لردّ قوي وذكي في التوقيت والمكان المناسبيْن»، شخصتْ الأنظارُ على جنوب لبنان باعتبار أنه قد يكون أحد مسارح «الثأر»، وفق توقعاتٍ في إسرائيل ترتّبت عليها إجراءات تحوّطية بينها رفْع حال التأهب على حدودها الشمالية.

وإذ عزّز إعلانُ «حزب الله» في بيانِ التنديد بالاغتيال أن هذا «اعتداء صارخ ووقح وتَجاوُز للحدود»، الخشيةَ الإسرائيلية من ردٍّ «خارج حدود» لعبة النار المتبعة منذ 8 أكتوبر، فإن أوساطاً مطلعة حاذرت القفزَ إلى استنتاجاتٍ من نوع أن إيران ستزجّ بالحزب في «فوهة» استعادة توازن الردع في ما خص «عمليات التصفية»، واستحضرتْ مرحلةَ اغتيال سليماني التي أدارتْ طهران ردّ فعلها عليها وفق حساباتِ تَفادي الانزلاق إلى الصِدام المباشر والكبير مع الولايات المتحدة، التي لم تكن أساطيلها في المتوسط كما هو الحال اليوم ومتحفّزةً لأي تجاوُز للخطوط الحمر.

وفيما تَعتبر هذه الأوساط أنه في خلفيةِ أي قرارٍ إيراني بالردّ على اغتيال موسوي عبر «حزب الله» يدخل ايضاً الاقتناعُ بأن إسرائيل لم تحِدْ عن «هدف» استدراجِ الولايات المتحدة إلى أمر واقع وجرّها إلى دعم عملية عسكرية ضد الحزب يُخشى أنها مازالت تبحث عن «ذريعة لها» ولن يتم تقديمها، ترى أن خيارات الردّ الإيراني باتت أشدّ حساسية ودقة، وهي إذ كانت «نسّقتْ» وبـ «السنتيمترات» مع إدارة دونالد ترامب وعبر بغداد الانتقامَ لشطب سليماني باستهدافٍ «وقّعته باسمها» لقاعدة عين الأسد الأميركية في العراق، فإن أي ردّ مباشر هذه المرة على إسرائيل يحكمه هامش ضيّقٌ بفعل اللحظة الملتهبة في غلاف المنطقة برمّتها.

ولكن الأوساط لا تُسْقِط من حسابها إمكان «تفعيلٍ أكبر» لحرب الممرات المائية، وربما مبادرة إيران إلى ردّ عبرها ضد هدف إسرائيلي، ناهيك عن احتمالات تصعيد أذرعها، بمن فيهم الحوثيون ضد أهداف بحرية كما في اتجاه إسرائيل نفسها، داعية في الوقت نفسه إلى رصْدِ هل ستتجّرع طهران الاستهدافَ الأول من نوعه الذي قامت به الولايات المتحدة (الاثنين) لفصائل موالية لها في العراق (بعد ساعاتٍ على هجوم كان أدّى لإصابة ثلاثة عسكريين أميركيين) واضعةً «الضربات الدقيقة» تحت عنوان «الردّ على سلسلة هجمات ضدّ طواقم أميركية في العراق وسورية شنّتها ميليشيات ترعاها إيران، بما في ذلك هجوم نفذته كتائب حزب الله التابعة لإيران وجماعات تابعة لها على قاعدة أربيل الجوية».

وإذ ترافقت الاندفاعة الأميركية مع تقديراتٍ لم تَعُد تُسقِط إمكان انخراط واشنطن في ضرباتٍ على منصات إطلاق الحوثيين في اليمن تحت عنوانٍ عبّر عنه إريك روزنباخ، رئيس أركان البنتاغون السابق خلال إدارة باراك أوباما بقوله «في الوقت الحالي، تقوم مجموعة متمردة بسحب الاقتصاد العالمي إلى أسفل. الصراع البحري بدأ، ولم يعد أمام الولايات المتحدة خيار سوى القتال»، فإنّ كل هذه العناصر تدخل في قياس الاحتمالات التي تقف أمامها المنطقة وحرب غزة وصولاً إلى جبهة جنوب لبنان التي لم تَخمد المخاوف من إقحامها في فوهة البركان بمغامرةٍ إسرائيلية لفرض تطبيق القرار 1701 بحذافيره وإبعاد «حزب الله» عن كامل جنوب الليطاني أو قسم منه.

ورغم الاقتناعٍ بأن أي تجرؤ من تل أبيب في هذا الاتجاه لجرّ الولايات المتحدة إلى «ملعب نارٍ» مع حزب الله تحدّد إسرائيل توقيته وأهدافه دونه اعتباراتٌ لوجستية وعسكرية أطلت برأسها من ملامح شحٍّ في مخزون الذخيرة الإسرائيلي للمضيّ في حرب غزة، وسط معلومات عن أن «المخاوف في هذا الشأن ومطالبة واشنطن بتسريع شحنات الأسلحة» هو أحد الملفات التي سيبحثها وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر مع مسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية، فإن المخاطر تبقى مرتفعةً على جبهة الجنوب التي لم تغادر ارتقاءها التصاعدي في عمليات «حزب الله» كما الاستهدافات الإسرائيلية.

وقد نفذ «حزب الله» أمس سلسلة عمليات بعضها أدى إلى إصابات في صفوف الإسرائيليين خلال استهدافه «قيادة الفرقة 91 في ثكنة برانيت بالأسلحة المناسبة»، بعدما كان نُقل عن الإسعاف الإسرائيلي «أن هناك 4 إصابات إحداها خطيرة إثر سقوط صاروخ مضاد للدروع قرب إقرث عند الحدود مع لبنان».

كما أعلن الحزب استهداف «تجمعين لجنود العدو» في موقع الراهب وقرب ثكنة دوفيف، وغرفة رصد قرب ثكنة الشوميرا «وأوقع المجاهدون أفرادهم بين قتيل وجريح»، إضافة إلى عملية ضدّ «انتشار لجنود العدو في محيط موقع راميا» وأخرى ضد موقع البغدادي، فيما أفاد إعلامٌ إسرائيلي بإطلاق صواريخ إضافية من لبنان تجاه قواتٍ حاولت إخلاءَ جريحٍ في مستوطنة «أدميت» بالجليل الغربي، قبل أن يتحدث عن «انفجار طائرة انتحارية أُطلقت من لبنان في الجليل الأعلى».

في المقابل شن الطيران الحربي سلسلة غارات بينها على بلدة ميس الجبل وجبل بلاط في أطراف مروحين وأطراف محيبيب بالتوازي مع إطلاق صواريخ من مسيّرات على بلدات لم يسبق أن تم استهدافها وبينها منطقة التامرية الواقعة بين تولين وقبريخا وسط معلومات عن سقوط إصابات، ومنطقة قريبة من جبشيت، في حين طاول القصف المدفعي منطقة الخريبة في أطراف راشيا الفخار وبليدا والخيام ومزرعة بسطرة والمجيدية وقرى عدة أخرى.

ونقلت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية عن غرفة عمليات جمعية كشافة الرسالة الإسلامية (الدفاع المدني ) أن فريق الانقاذ في تولين نقل إصابتين بجروحٍ في سيارات الإسعاف جراء القصف المعادي الذي تعرّضت له البلدة عصراً.