عرفنا من الأدب الجاهلي ما يسمى بالمعلّقات، وهي قصائد قالها فحول الشعراء وتناقلها الركبان وعُلِّقت على أستار الكعبة تخليداً لها.

خلِّد سجلّك فالبقاء قليلُ

إنّ الزمانَ بعمره لطويلُ

واسكُب عطاءكَ للجميع فإنهُ

يبقى العطاءُ وغيرهُ سيزولُ

اختارت جامعة أكسفورد في إنكلترا، كتابة هذه الأبيات الخالدة لصاحب الأعمال الجليلة السيد عبدالعزيز سعود البابطين وتم نقشها على إحدى القاعات لتكون من معلقات زماننا، ولكن الفرق ان إنكلترا الآن تقدّر الثقافة والعاملين عليها.

عزائي للكويت الثكلى بابنها البار الشاعر والأديب عبدالعزيز سعود البابطين الذي كان بالنسبة للكويت ضميراً متصلاً في محل رفع فاعل، فقد خدم وطنه ممثلاً إياه في المحافل الدولية والثقافية باسم الكويت، وأقام مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين للشعر العربي، وقناة «البوادي» الثقافية من دون إعلاناتٍ تجارية ومردودٍ مادي وبلا أهداف سياسية ولا حزبية... الهدف فقط نشر الثقافة والمعرفة والتوعية.

ومكتبة البابطين التي طالما كانت منبعاً ينهل ويرتوي منه الباحثون والقرّاء وصرحاً للثقافة، هذا الرجل ومن خلال مؤسساته كان كأنه دولة داخل دولة!

لكنه ببره لوطنه قدّم علاقاته الملكية ووقته وتجارته في خدمة الكويت وتقديم رفعة شأنها، لا مصلحته الشخصية والحزبية، بل جنّد مؤسساته للعمل صفاً أمامياً لصالح الوطن.

كنت في مرحلة دراستي الجامعية متعجباً من هذا الرجل الذي أسّس مؤسسات وهيئات ثقافية ولديه مشاركات في مؤتمرات دولية ممثلاً الثقافة واللغة العربية. وأنا في عمر مبكر كنت أتمنى شخصياً أن أقتدي به لخدمة الثقافة والأدب والتاريخ وأؤدي جانب عبادتي لله من جانب ما وهبني الله من مواهب وأنا أشاهد لقاءاته وهو رجل من بلدي؛ مثقف مطّلع وشاعر متواضع، مزيج جميل من الثقافة والمعرفة والتواضع والبساطة.

الآن ترجّل فارس الثقافة ليمتطي صهوة أعماله الخالدة ويرتحل بها إلى لقاء ربه، وقد ترك لنا إرثاً ثقافياً حضارياً تربوياً نقتدي به بالعلم والمعرفة والفكر والأهم من ذلك كيف خدم اللغة العربية والوطن والدين.

رحم الله السيد عبدالعزيز سعود البابطين برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته وأسأل الله تعالى أن يرزق الأمة بمن يرثُ حُبّه لخدمة الثقافة والعلم فيكون قدوة للأجيال... فقد قال صلى الله عليه وسلم «الخير فيّ وفي أمتي إلى يوم القيامة».