يشكّل الضبط الاجتماعي أهم مفاصل الاحتكاك بين الفرد والمجتمع. ويمثل الضبط الاجتماعي العمليات والإجراءات المقصودة وغير المقصودة التي يقوم بها ويتخذها مجتمع ما في مراقبة سلوك أفراده والاستيثاق من أنهم يتصرّفون وفقاً للقيم أو المعايير أو النظم التي أقرها المجتمع أو غالبيته الساحقة. والهدف هو تحقيق أكبر قدر ممكن من التناغم والانسجام الاجتماعي لما فيه خير للبلاد والعباد.
يقول ابن خلدون - رحمه الله -: (ثم إنّ هذا الاجتماع إذا حصل للبشر كما قررناه وتم عمران العالم بهم، فلا بدّ من وازع يدفع بعضهم عن بعض لما في طباعهم الحيوانية من العدوان والظلم، وليست آلة السلاح التي جُعلتْ دافعة لعدوان الحيوانات العُجم عنهم كافية في دفع العدوان عنهم، لأنها موجودة لجميعهم... فيكون ذلك الوازع واحداً منهم، يكون له عليهم الغلبة، والسلطان واليد القاهرة حتى لا يصل أحد منهم إلى غيره بعدوان، وهذا هو معنى المُلك). (مقدمة ابن خلدون).
لذا، لا بديل عن الضبط الاجتماعي لأنه هو من يُخرج الإنسان من فرديته، كما أنه ضروري من أجل حفظ الحقوق والحيلولة دون انتشار الفوضى، ودون سيطرة الخوف، وكذلك الثقة الاجتماعية تقوم في جزء منها على توقع السلوك المنتظر من الآخرين في المواقف المختلفة، وعلى توقع ردود أفعالهم على أحداث معينة، وهذا لا يكون إلّا من خلال خضوع أبناء المجتمع لقيم وقوانين ومعايير معينة.
للضبط الاجتماعي وسائل رسمية وأدوات غير رسمية: الرسمية هي وسائل الضبط الخشنة، وتتمثل في القانون والشرطة، وغير الرسمية: هي الوسائل الناعمة، وهذه تتجسد في الدين والعِرق والعادات والتقاليد الاجتماعية والرأي العام، والإيحاء الاجتماعي، والتربية والقيم الاجتماعية.
إنّ مسألة الضبط الاجتماعي تحتاج إلى الاطلاع على تجارب مجتمعنا وتجارب المجتمعات الأخرى حتى نستخدم أكثرها نجاعة وصلاحية ونعيش في مجتمع منضبط خالٍ من الفوضى والعشوائية.
M.alwohaib@gmail.com
mona_alwohaib@