فقدت الكويت والأمتان العربية والإسلامية قائداً مؤمناً ومحباً لشعبه وأمتيه برحيل صاحب السمو أمیر البلاد، الشیخ نواف الأحمد الجابر الصباح.

كان الفقيد الكبير رؤوفاً بشعبه محباً لرعاياه ومواطنيه كما كان مهتماً بأبنائه الشباب والرياضيين.

رافقت الرياضة سموه في مراحل حياته كافة سواء كممارسة أو متابعة، حيث أولى هذا القطاع المهم اهتماماً بالغاً منذ بدایة حیاته من دون ان ینطفئ هذا الشغف حتى بعد تقلده المناصب الكبیرة في العمل العام واضطلاعه بمهام جسام.

وفي أكثر من مناسبة، كان سموه یؤكد حرصه على ابنائه الریاضیین ودعمه الكبیر لهم مادیاً ومعنویاً، فضلاً عن حرصه على التواجد في المناسبات الریاضیة، منذ تسلمه اول المناصب محافظاً لحولي في ستینات القرن الماضي.

وفي حديث سابق للراحل الكبير، وجه سموه نصیحة الى الریاضیين قائلاً: «علیكم بالمواظبة على التدریب والتقیّد بأوامر المدرب والإدارة والإداریین. على اللاعب أن یبتعد عن الأنانیة، فإذا دخلت الأنانیة نفسه فمعناه انه انتهى، لأن الأنانیة هي بدایة المرحلة التي تسبق الغرور ومعنى ذلك انه نزل إلى آخر درجة من درجات الأخلاق الریاضیة. لذا، یجب ان یؤمن اللاعب ویعي ان النادي هو الذي أبرزه أمام الجماهیر، والنادي قادر على ان ینزله من منصات الأحلام النرجسیة إذا أصیب بالغرور أو الأنانیة. ما أرجوه من اخواني اللاعبین هو أن یواظبوا على تدریبهم ویمتنعوا عن السهر وأن یتقیدوا بأوامر مسؤولیهم».

وأضاف رحمه الله: «الریاضة هي الأخلاق، الریاضة ما هي إلا خلق طیب یتحلى به الفرد. یجب أن یكون كل مواطن ذا خلق ریاضي، ولا بد أن تكون هناك أخلاق. فالشخص، عندما یحب الریاضة ویمارسها، فهي تجنبه أموراً غیر مستحبة. الریاضي غالباً ما یكون ملتزماً، لا یمارس أموراً مخلة بالنظام أو القانون. لذا،أتمنى ان یمارس المواطنون كافة أي نوع من أنواع الریاضة، لأنها خلق وأدب واحترام، فضلاً عن كونها ذات فائدة كبیرة على الإنسان وصحته».

بدأ الشيخ نواف رحلته مع الرياضة في مرحلة مبكرة من حیاته، حيث مارس كرة القدم قبل ان يتركها لسبب خارج عن ارادته وهو الاصابة.

ويقول: «الإصابة حالت دون استمراري. كنت أمارس كرة القدم، لكن اللعبة لم تكن منظمة كما هو الحال الآن. كنت ألعب في الفریج، وفي إحدى المباریات، أُصبت من قِبل أحد (الربع) في المدرسة المباركیة. في ذلك الوقت، لم یكن هناك طب ریاضي وعلاج، فكرهت مزاولة اللعبة، لكنني أحبها كهوایة من خلال المشاهدة».

وكما أن للأمير الراحل علاقة وطيدة بالرياضة والرياضيين، فإن علاقته بنادي القادسية بالذات كانت تحمل الكثير من التميز، انطلاقاً من تأسيسه في مطلع ستينات القرن الماضي ومروراً بفترة الدعم والتشجيع والمساندة ووصولاً إلى قبوله الرئاسة الفخرية لـ «الأصفر».

هذه العلاقة عبر عنها سموه بالقول: «كنت أحب النادي لكن من بعید. تجدني أحضر المباریات وأجلس على مدرج جمهور الدرجة الثانیة دون علم أحد لأني أحب الأصفر، لكن زاد حبي له عندما حضر الشیخ فهد الأحمد واخوانه أعضاء مجلس الادارة وساروا في الطریق وأخذت سمعة النادي في الارتفاع شیئاً فشیئاً».

ورغم حب سمو الشیخ نواف للقادسیة إلا أن ذلك لم يجعله منحازاً له على حساب بقية الأندية بل ظل، رحمه الله، یعتبر الریاضیین كافة من ابنائه ویولیهم الاهتمام نفسه.

انتقل حب الرياضة والتعلق بها من الشيخ نواف الى أبنائه الأربعة، فكان بحق «والد» الریاضیین الذین مارسوا جمیعاً الریاضة كلاعبي كرة قدم، ومنهم من مثّل أندیة كبیرة، حيث دافع سمو الشيخ أحمد النواف عن الوان العربي كمهاجم، قبل ان یبتعد بداعي الاصابة ویتجه للعمل الاداري حيث ترأس جهاز الكرة في «الأخضر» في الفترة الرائعة التي حقق خلالها الفريق الثلاثية التاريخية «الدوري وكأس الأمير وكأس الأندية الخليجية»

اما الشيخ عبدالله النواف، فكان أحد نجوم القادسیة في «عصره الذهبي»، وساهم، تحت انظار والده، في تحقیق «الأصفر» للقب دوري الموسم 1977-1978، بإحرازه أحد هدفي الفوز على السالمیة في الجولة الأخیرة.

بدوره، كان الشيخ فيصل النواف حارساً للمرمى في صفوف «الأخضر» قبل ان ینتقل الى الساحل، بصحبة المدرب الراحل جاسم السبتي.

أما شقيقه الشيخ سالم النواف، فكان لاعباً في المراحل السنیة للنادي العربي وحال تركيزه في الدراسة والعمل دون مواصلته مسيرته الرياضية.

كان سموه رحمه الله مثالاً لـ «الدیموقراطیة الریاضیة»، فرغم حبه لنادي القادسیة، إلا أنه لم يمنع أياً من أبنائه من اختيار النادي الذي يحب أو يرغب بالانضمام إليه، ولا أدل على ذلك من ان ثلاثة منهم لعبوا للنادي العربي، الغريم التقليدي للقادسية، وكان سموه يعرب عن سعادته بنجاحاتهم كما هو الحال بالنسبة الى أي نجاح يحققه أي رياضي أو نادٍ كويتي بصرف النظر عن الانتماءات.

وتطرق سموه إلى دور الجمهور: «ما أرجوه من الجمهور هو التشجیع النزیه الراقي، إذ إن أي مباراة یجب أن تتسم أخلاق الجمهور فيها بالرقي بعیداً عن التعصب سواء كان الخصم أجنبیاً أو محلیاً».

ویضیف: «لكن لي ملاحظة أكررها عن التعصب الزائد، فهو یضر أكثر مما ینفع. أرجو من الجمهور ألا یشجع اللاعب الذي یخطئ. بعض الجماهیر، من شدة تعصبها، ترى أخطاء اللاعب صحیحة، وهذا ما لا أؤیده، بل وأرفضه. فأنا، مهما تعصبت، یجب أن أشجع اللاعب الذي یسیر على الطریق السلیم، وحین یخطئ یجب عدم تأییده بل إشعاره بعدم الرضا عن هذا الخطأ حتى لا یستمر فيه ویتمادى».

ویبدي سموه رفضه التركیز على كرة القدم على حساب غیرها من الألعاب، معتبراً ان ذلك مجحف: «بصراحة، الأندیة تقوم بواجبها لخدمة المجتمع، لكن هناك خطأ في بعضها، وهو أنها تركز على كرة القدم. هذا اجحاف بحق بقیة الالعاب وحتى بحق اللاعبین الذین یشعرون بالاحباط. على أندیتنا أن تهتم بالریاضات كافة لتعم الفائدة بشكل اكبر وتكون لدینا قاعدة كبیرة للمشاركات الخارجیة حتى نتمكن من إبراز وجه الكویت الحضاري من الجانب الریاضي».

نصائح أبوية

لطالما شدد سمو الشيخ نواف على أهمیة التحلي بالأخلاق الریاضیة، حيث كان يرى بأن «الریاضي الحق یجب أن یتحلى بالأخلاق العالیة وتكون میزته الصدق وحب الخیر والعمل الجاد، وأن یحافظ على صحته ومواعیده وتدریباته. فلو توافرت هذه الخصال في الریاضي، لأصبح في نظري الریاضي الحق. أهم شيء هو الأخلاق لأن الفوز والخسارة سمة أي مباراة ونتیجة طبیعیة لأي تنافس ریاضي».