أعرب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، عن أسفه «أن تكون الذرائع التي تساق عن استهداف المدنيين مقبولة لدى البعض»، لافتاً إلى أن «أزمة غزة أظهرت حجم الفجوة بين الشرق والغرب وازدواجية المعايير في المجتمع الدولي».
/>وإذ أكد أن «إدانة قتل وحصار المدنيين موقف ثابت لا نحيد عنه»، دعا لـ «مراجعة شاملة لنظامنا الدولي والإنساني حيث لا امتيازات للقوة والتمييز».
/>وفي كلمة له خلال افتتاح النسخة الحادية والعشرين من منتدى الدوحة الذي يعقد تحت شعار «معا نحو بناء مستقبل مشترك»، أكد أن المنتدى «الذي أردناه منصة للتواصل بين الشعوب، ليس حين يكون هذا التواصل سهلا فحسب، بل حتى في أحلك الأوقات وفي ظل تصاعد الاستقطاب في العالم، حين يكون التواصل بيننا حاجة لا غنى عنها».

وتابع: «إن ما يحدث في غزة من كارثة إنسانية غير مسبوقة، يدفع الشعوب الحرة حول العالم إلى توجيه أسئلة مشروعة حول ماهية النظام الدولي، وفاعلية أدواته القانونية، وصدق مبادئه، وهذه الأسئلة تزداد إلحاحا مع تزايد المشاهد المؤلمة، التي ربما نشيح بوجوهنا عنها من فظاعتها، ولكنها واقع يعيشه مليونان وثلاثمائة ألف إنسان كل يوم منذ أكثر من 60 يوما».

وأعرب عن أسفه بأن تكون الذرائع التي تساق حول استهداف المدنيين مقبولة لدى البعض، وشدد على أن استهداف المدنيين من النساء والأطفال والأبرياء بشكل متعمد مرفوض تحت أي ذريعة، مضيفا: «فالقانون الدولي، وقيمنا الإنسانية والدينية، تفرض حمايتهم. وإدانتنا قتلهم وحصارهم وتجويعهم موقف مبدئي ثابت لا يتزعزع».

وأكد على أن هذه الأزمة أظهرت بوضوح، حجم الفجوة بين الشرق والغرب، وبين الأجيال المتعاقبة، وازدواجية المعايير في المجتمع الدولي، حيث انقسم العالم إلى مطالب بإنهاء هذه الحرب وإيقاف آلة القتل، ومتردد حتى في مجرد الدعوة إلى وقف إطلاق النار. لافتا إلى أن «من كان يطالب بوقفة عالمية ضد الاحتلال في سياق آخر، يرفض اليوم مجرد إدانة جرائم الاحتلال في الأراضي الفلسطينية ويقف عائقا أمام التوافق الدولي على إيقافها».

ودعا إلى وقفة أمام من يريد أن يعيد صياغة الصراع على شكل حرب دينية، وقال: «هذا الصراع كان ولازال قضية احتلال ومطالبة بالحق المسلوب في تقرير المصير. وعلى مر العقود، كان خيار السلام مطروحا، ولكنه كان ضحية المماطلة والتسويف، وعلينا أن نسأل من هو الطرف الذي واجه كل مبادرات السلام بوضع العراقيل أمامها والتصعيد لإفشالها».

وأضاف: «إذا كنا مخلصين حقا في العمل «معا نحو بناء مستقبل مشترك»، فالبداية هي الاعتراف الموجع بحقيقة الخلل في النظام العالمي، هذا الخلل الذي يسمح بالقبول باستدامة الصراع وعدم الوصول إلى حل، ولا يمكن لهذا الحل أن يكون مستداما إلا إذا كان عادلا وشاملا».

وطالب الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني بتكثيف الجهود المخلصة في وضع تصورات جديدة للنظام الدولي، تتناسب مع ظروف عالم اليوم، والتخلي عن حسابات الماضي التي خرجت من حيز الواقع، والبدء من اليوم في «بناء المستقبل» بمراجعة شاملة للنظام الدولي والإنساني. مراجعة تؤسس لنظام عالمي يقوم على أنظمة وقواعد ومؤسسات تحترم المساواة بين الشعوب، لا امتيازات فيها للقوة، ولا تمييز أو تفضيل فيها على أساس العرق أو الدين أو الانتماء السياسي.

وتابع «قد يقول قائل بأن هذا الوقت ليس مناسبا للحديث عن مستقبل مشترك للعالم أجمع، في ظل التباين الشاسع في المواقف تجاه قضية تختبر إنسانيتنا جميعا، ولكننا نرى بأننا أحوج ما نكون اليوم، إلى أن يسمع بعضنا بعضا، وأن يفهم كل منا الآخر، وأن نناقش بصراحة لا مجاملة فيها، وبأمل يتجاوز مآسي الحاضر، كيف نعود بالعالم إلى الرؤى التي شكلت النظام الدولي».

ونبه إلى أن التاريخ قد علمنا بأن الحوار هو الطريق الأمثل لمواجهة أعقد الصراعات، إذا توفرت الإرادة الخيرة والقيادة السياسية الحكيمة، وهذا هو منطلق إيمان دولة قطر بأهمية الوساطة في حل النزاعات، وبذلها لكل الجهود في سبيل تحقيق ذلك، بما في ذلك الجهود المستمرة، مع الشركاء في مصر الشقيقة والولايات المتحدة الأميركية، لوقف إطلاق النار في غزة.

وقال: «إن هذا الحضور المتنوع في هذه القاعة، وخلال اليومين القادمين، يمثل فرصة لنقاشات متعمقة، تأخذ في الحسبان كل تعقيدات الحاضر، وتبحث في ثنايا الصورة القاتمة لواقعنا اليوم، عن بصيص أمل، لمستقبل يكون عنوانه السلام والازدهار والتعاون. ولذا أدعوكم إلى استغلال جلسات هذا المنتدى ولقاءاته، للوصول إلى أفكار ورؤى تعين صناع القرار في التعامل مع التحديات التي نواجهها، وتعكس الرغبة الحقيقية في بناء مستقبل مشترك».