/>بينما لاتزال مؤسسات الدولة شاغرة من القيادات ومن دون الدخول في جداول حسابية معقدة لفهم مكاسب المالية العامة من التوسع في عمليات الإحالة للتقاعد التي يقودها وزير المالية في «المالية» والجهات التابعة يكون مشروعاً نظرياً طرح السؤال: هل هناك بدائل جاهزة على مكتب الوزير الشاب لملء الشواغر خصوصاً القيادية والإشرافية في هذه الجهات التي تتسع مع إقرار حالات التقاعد في مؤسساتها؟ وهل ستكون قراراته كرة ثلج يرجح أن تكبر وتفرغ المؤسسات المختلفة من الوظائف الاشرافية؟
/>عملياً،يمكن الإجابة افتراضياً بأن الإحالات للتقاعد من القطاع العام سلاح ذو حدين، فمن ناحية يسمح الإجراء بضخ دماء جديدة قادرة على مواكبة التطورات التي طرأت في السنوات الأخيرة والتي تغير بفضلها المشهد العام والخاص كثيراً جداً.
/>لكن هذا الواقع قد ينطبق أكثر على دول أخرى ليس بينها الكويت التي تعاني منذ نحو عامين من شغل الوظائف القيادية في مختلف المؤسسات، للدرجة التي بات يسير معها إعادة التعيين في هذه الوظائف مثل السلحفاة ولأسباب مختلفة وجميعها اجتهادية غير معلنة.
/>وأمام هذه المعضلة الشائكة يبرز الوجه الآخر لمسألة التقاعد حيث يخشى أن يؤدي الإجراء الى الوقوع في حفرة أوسع من الشواغر، خصوصاً في المؤسسات التي تتطلب قيادتها كفاءات وخبرة متجذرة بالممارسات العملية وفي مقدمتها الهيئة العامة للاستثمار وبنك الكويت المركزي والمؤسسة العامة للتأمينات، التي يرجح حسب توقعات كشوف المستحقين للتقاعد فيها أن يصل إجمالي محاليها للتقاعد إلى مئات الموظفين مرة واحدة.
/>وتتنامى المخاوف أكثر إذا انتقلت عدوى وزارة المالية بين الوزراء وقرروا الاهتداء بنهج الوزير المدفوع بحماسة الشباب، وهذا محل تقدير بل ومطلوب لكنه يحتاج إلى هندسة إدارية أكثر تأنياً تراعي مخاطر اتساع الشواغر في مؤسسات الدولة.
/>مرة ثانية، لا أحد يعارض مبدأ التقاعد المستحق، خصوصاً في زمن الرقمنة وما يصاحبه من حتمية عدم قدرة بعض القياديين على مسايرة الثورة التكنولوجية التي أصابت العالم أجمع، وباتت المعيار الحاكم لتقدم الدول ومؤسساتها.
/>لكن الخوف كل الخوف أن يكون الإحلال هنا مبنياً على القص واللصق إجبارياً بذريعة إعادة الشباب إلى مؤسسات الدولة حتى تتفهم متطلبات المرحلة.
/>وفي هذه الحالة تتنامى مخاطر إحداث فجوة أوسع بين استحقاق التقاعد والملء غير المدروس بقيادات شابة تحتاج لمزيد من التمرس والخبرة العملية.
/>بالطبع، إذا كان على وزير المالية وأي وزير آخر بدائل جاهزة برسم الكفاءة وليس المحاصصة فالإجراء مرحب به ومستحق.
/>أما إذا كان الإجراء استباقياً وانفعالياً ولا يراعي محورية توافر البدائل الجاهزة فالحذر كل الحذر من مخاطر هذا الإجراء.
/>وهنا، نتمنى أن يكون السيناريو الأول الأكثر حضوراً على مكاتب كل الوزراء والمسؤولين ونحن نراهن على حرصهم على الصالح العام.
/>الخلاصة:
/>دائماً ما يكون التوازن مطلوباً بين الاستثمار بصفة عامة سواء مالياً أو بشرياً وإدارة المخاطر، فكلاهما وجهان لعملة واحدة لا يمكن صرف أحدهما دون التصاقه بالآخر.
/>وما يزيد أهمية إحداث التوازن في إحالات التقاعد بالقطاع العام خصوصاً بين القياديين أن عملية ملء الشواغر دينامكية بمعنى أنها لا تتوقف وبحاجة مستمرة للتغذية.
/>وهذا يتطلب أولاً إعداد جيل تلو الآخر من القياديين لضمان تسلم شارة القيادة دون التعرض لمطبات غير مستحقة لا سيما في المؤسسات التي يعوّل عليها كثيراً في إحداث التنمية التي طال انتظارها.