/>منذ العام 1973 لم تنتصر إسرائيل في أي حربٍ خاضتْها. ففي 1982 اجتاحت لبنان لضرْب منظمة التحرير الفلسطينية وليس جيشاً واضطرت إلى الانسحاب عام 2000 تحت ضرباتِ مقاومةٍ غير منظّمة وغير نظامية تشكّلت على عجل لمقاومة الاحتلال.
/>وفي حرب يوليو 2006، فشلت في تحقيق أهدافها وأصيبت بهزيمة كبرى في معركةٍ حصلت وجهاً لوجه مع «حزب الله» في وادي الحجير وقرى الجنوب.
/>لكن إسرائيل تملك مخزوناً هائلاً من القذائف والصواريخ التي تمدّها بها الولايات المتحدة، وتعيد ملء مخازنها بعد أسابيع قليلة من بدئها بأي حرب مثلما حصل في العدوان على لبنان وكذلك في قصفها لقطاع غزة في الأعوام 2008، 2012، 2014 و2023.
/>من هنا خرجتْ مقولة إن «اسرائيل أوهن من بيت العنكبوت»... فهي تقصف غزة التي خرج مقاتلوها من المدينة لساعات قليلة أنهوا فيها مقولة «الجيش الذي لا يُهزم» وضُربت «فرقة غزة» الإسرائيلية وقُتل واحتُجز قادتها (أربعة جنرالات اعتُقلوا من قبل حركة «حماس») وهرب الجميع أمام تنظيم غير نظامي دفع بـ1200 عنصر مدرّب فرّ أمامهم الآلاف من الجيش الإسرائيلي والمستوطنين المدرَّبين على القتال، ليدبّ الذعر في نفوسهم وتتضعضع عقيدتُهم «الآمنة» وتَحْضر حال اللايقين بين المستوطنين.
/>وللمرة الأولى ينطق قائد عسكري إسرائيلي، قائد الجبهة الوسطى، قائلاً إن «الجيش الإسرائيلي فشل في حماية إسرائيل».
/>وتعتمد تل أبيب على واشنطن في كل شيء يتعلق بمجهودها الحربي. فالرئيس جو بايدن يريد الطلب من الكونغرس مساعداتٍ غير مسبوقة «لضمان تفوّق إسرائيل» بقيمة 14 مليار دولار.
/>وترسل الولايات المتحدة 2000 جندي وضابط من «وحدة دلتا» لتساعد تل أبيب على اجتياح 365 كيلومتراً مربعاً (مساحة قطاع غزة)، وتبديد الرعب الذي بثّه «حزب الله» في نفوس الكيان الضعيف، رغم أنه يملك 1400 دبابة و900 طائرة و390000 جندي وضابط محترفين ومن الاحتياط.
/>وتحتاج إسرائيل لأميركا لترسل لها حاملات طائرات وقوات برية من المارينز وبحرية مع قوات إنزال وتسخير جميع القواعد البحرية والبرية والجوية القريبة. فهل هذا هو «الجيش الذي لا يُقهر»؟
/>نعم هو جيش يملك قوةً تدميريةً هائلةً لأن مخزونه لا يَنْفد ما دام مرتبطاً مباشرة بالمخزون الأوروبي والأميركي الذي يدعمه في حروبه من دون حدود. ولكنه بعيد جداً عن كونه لا يُقهر لأن حفنة من مقاومي غزة أثبتوا ذلك أمام عيون العالم.
/>وتنتمي إسرائيل إلى حلف القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) التي تمدّها بالمعلومات الاستخباراتية وتشارك معها جميع المعطيات التي تصل إلى يد الدول الأوروبية وغيرها التي تملك عيوناً وعلاقات وأقماراً اصطناعية تعمل في الشرق الأوسط لتوفر لإسرائيل أكبر عدد ممكن من المعلومات التي تستطيع الاستفادة منها أو محاربة أعدائها.
/>ومع ذلك، فشلت كل هذه المنظومات والمساعدات الهائلة والقوة النارية النووية في تحقيق سياسة السحق والأمن لإسرائيل في مواجهة شعبٍ فلسطيني، فعلت تل أبيب المستحيلَ على مدى 73 عاماً، لسلب إرادته في العيش واقتلعتْه من جذوره في 98 في المئة من أراضيه، كما اقتلعت شجر الزيتون وصبّت الخرسانة المسلّحة في آباره الارتوازية وهدمت بيوت أبنائه واحتلتها وحاولت تحطيمَ إرادةِ حياة أصحاب الأرض، اعتقاداً منها أن الجيل الجديد الصاعد سيبتعد عن «الكفاح المسلح» وسيبحث عن فرص للعيش خارج أرض أجداده ويتقبّل إما العيش بالذل وإما الرحيل.
/>فخرج شعب وجيل جديد لا يستسلم للدعم اللامحدود الذي تتمتع به إسرائيل رغم طريقة معاملتها «البشعة» للفلسطينيين، لتمنع عنهم صفةَ الإنسانية على مرأى من الغرب الذي تقبّل التوحش ليصبح شريكاً كاملاً فيه.
/>وها هي إسرائيل تستعدّ لدخول غزة، ولكن ليس قبل أن تمنع المياه والكهرباء والغذاء والدواء وتقصف دور العبادة المسلمة والمسيحية، وتحرق الأرض في القطاع باقتلاعها للمباني من خلال القذائف الضخمة التي تزوّدها بها أميركا من خلال جسر جوي أقامته لتستمر تل أبيب في قتل الغزاويين من أعمار مختلفة، وغالبيتهم من المدنيين العزل.
/>ومنذ 14 يوماً، تقصف إسرائيل القطاع يومياً بما أصبح يعادل نصف قنبلة نووية (8000 طن من المتفجرات) لسببين:
/>- لإشباع غريزة المستوطنين وحبّهم لرؤية دماء الفلسطينيين تُراق، خصوصاً بعد الإذلال الذي أصاب الكيان بأكمله من خلال نكبته في السابع من أكتوبر، يوم انتصرت الإرادة الفلسطينية على «أقوى جيش في الشرق الأوسط» في ساعات.
/>- ولأن الجيش الإسرائيلي يخشى دخول غزة التي أبدعت في الهجوم، كما من المتوقع أن تبدع في الدفاع عن أرضها ووجودها.
/>ولم تستطع القوات الإسرائيلية في أي اجتياح لها أن تبقى في أحياء مدينة معادية لها عبر التاريخ. فكيف بغزة التي أفقدت إسرائيل على الأقل فرداً أو أفراد من كل عائلة غزاوية أو محت من الوجود عائلات بأسرها من خلال تدميرها الوحشي اللاإنساني للمدينة المحاصَرة منذ 17عاماً.
/>وتالياً فإن هذا الجيش بعُدّته وعتاده، يتملّكه شعور الرعب لأنه محتلّ ولأنه رأى بأس المقاومة. ولذلك، يقول له العالم إن «له الحق بالدفاع عن نفسه». وهذا يعني أن «له الحق في ارتكاب المجازر من دون محاسبة»، وليس للفلسطينيين الحق بالدفاع عن أنفسهم أبداً، إذ عندها يصبحون «إرهابيين».
/>لقد انتفض العالم من أجل ما فعلتْه المقاومة الفلسطينية في ساعات، وهو تماماً ما دأبتْ إسرائيل على فعله بالفلسطينيين منذ 73 عاماً. إنها الدولة الوحيدة في العالم التي ثبت فيها أن الإرهابَ الإسرائيلي (حزب إيرغون الإرهابي الصهيوني الذي تشكل عام 1931) وصل إلى السلطة وتم الاعتراف به في الأمم المتحدة كدولة.
/>إلا أن من الواضح أنه لم يتخلّ عن ممارساته وعقيدته الإرهابية.
/>وعندما يُواجِهُه الفلسطينيّ فرداً مقابل فرد من الجيش الإسرائيلي ولا يحمل الحجارة مقابل دبابة، يدينه العالم كله ويقف ضده ويتحامل عليه لإنهائه والتخلص منه.
/>وقد ولىّ هذا الزمن إلى غير رجعة وأثبتت إسرائيل أنها «أوهن من بيت العنكبوت» وأن قوتها هشة، وأن جيشها يحتاج لحرْق الأرض التي يريد احتلالها كي لا يجابه مقاومة، كما يحتاج لغطاء بري ومدفعي وجوي للتقدم، ومع ذلك تستنجد تل أبيب بالدعم الأميركي لأن إرادتها للقتال تثير الشفقة خصوصاً عندما يتواجه المغتصب للأرض مع صاحب الأرض.