/>في عرف المجتمعات المتقدمة تاريخياً أو حتى الناشئة التي تؤمن بالتنمية الشاملة كمسار حتمي وتعمل على استدامتها باجتهاد تجد لدى سلطاتها التنفيذية ثقافة دارجة عنوانها العريض «حاسبوا قبل أن تحاسبوا».
/>ففي المجتمعات المتطورة أو العازمة بجدية على التحول تجد في فقه أولوياتها أن ممارسة «المسؤولية الذاتية» تأتي على رأس أعمالها بدءاً من التخطيط مروراً بالتنفيذ وانتهاء بالمحاسبة الفاعلة لمسؤوليها.
/>وأثناء ذلك تسارع حكومات هذه الدول بدفع ذاتي إلى تغيير أحد وزرائها وربما أكثر إذا استدعت الحاجة وشعرت أنه أخفق في دوره ولم يحقق المأمول منه، حتى انها لا تنتظر السهام النيابية لتقوم بالتغيير مخافة الدخول في أزمة سياسية مع النواب.
/>وحتى لا يقال إن هذه الممارسات دولية وشعوبنا غير معتادة أو مهيأة على ممارستها قد يكون مفيداً الإشارة إلى التجربة السعودية التي لجأت قيادتها السياسية في العامين الماضيين إلى تبني ثقافة المسؤولية الحكومية في قيادة التغيير المستحق، وشمل ذلك تغيير العديد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين في المملكة ومنهم من لم يمض على تعيينه سوى أشهر.
/>هذه الخطوة لاقت استحساناً واسعاً من السعودية سواءً من الداخل أو الخارج كونها عكست إصراراً عملياً من المملكة على إحداث التنمية وتحقيق الرؤية التي تستهدفها بدقة محسوبة برسم انجاز المسؤول.

/>فإذا لم توفق الحكومة في اختيار القيادي المعني بتنفيذ الرؤية يكون الأمثل لها تغييره سريعاً بدلاً من تحمل عبء بقائه لأجل مكايدة أو معاندة سياسية.
/>ما سبق، لا يحمل بأي حال من الأحوال دعوة لإقالة وزير هنا أو هناك أو تشكيك في وزير يواجه استجواباً أو مهدد بذلك مستقبلاً.
/>فالغاية الأوسع من هذا الطرح تعزيز ثقافة الحكومة في إقالة أحد أعضائها قبل الاضطرار لاستقالته لتقود هي بنفسها المبادرة بهذا الاتجاه إذا رأت في ذلك فائدة لها ولخططها، دون انتظار تحرك نيابي قد يعرض العلاقة بين السلطتين إلى مخاطر أوسع يهدد مبدأ التعاون المستحق بين السلطتين.
/>وفي المقابل، إذا رأت الحكومة في وزيرها المستجوب خيراً فعليها أن تدعمه دون تقديم أي تنازلات سياسية أو ترضيات تفادياً لتحميل الشعب تكلفة عقد مهادنات وتفاهمات غير مبنية على قوة الموقف الحكومي وقناعتها بجدارة بقاء وزيرها والحرب المدفوعة بالحجة والبرهان على أهمية بقائه بفضل إنجازاته.
/>الخلاصة:
/>قدم النائب الدكتور مبارك الطشة، الأسبوع الماضي إلى أمين عام مجلس الأمة استجوابه إلى وزيرة الأشغال أماني بوقماز، والذي يتألف من 4 محاور تشير جميعها إلى فشل الوزيرة في تحقيق المطلوب منها.
/>وبعيداً عن أحقية الاستجواب من عدمه يشكل هذا الاستجواب منحى خطيراً في تحديد مستقبل علاقة الحكومة بالنواب، لأكثر من اعتبار أبرزها أنه الأول في عهد الحكومة الحالية ويأتي قبيل دور الانعقاد الثاني لمجلس الأمة.
/>كما أن هذا الاستجواب إن لم يدار بحكمة وتفاهم مسؤول من جميع الأطراف قد يثير شهية نواب آخرين لمزيد من الاستجوابات.
/>وهنا يكون مهماً القول إن تغير الحكومة لثقافتها بات مستحقاً، في أن تكون تحركاتها لتصحيح المسار على الأصعدة كافة، وفي مقدمتها تحديد موقفها من وزرائها حسب الجدوى والقيمة المضافة من بقائهم دون الالتفات إلى التفاصيل.
/>فالأجدى للحكومة ولجميع الأطراف وفي مقدمهم الشعب اتخاذ القرار الحكومي بحق أعضائها ذاتياً وبناء على معيار إنتاج الوزير وكفاءته، وليس الرضا بالاستقالة خنوعاً لضغط نيابي.