هل هو صراع حقيقي ذلك الذي يستهدف الحصول على دوائر القرار لتشكيل الهوية الاجتماعية؟ وهل الخلاف على شكل الهوية يحتم بروز فكرة عدم استقرار الهوية الاجتماعية في بلد ما؟ ماهي الهوية الاجتماعية أصلاً وماهو الجانب الذي يرتبط بدور العدالة في معرض تطبيقها للقوانين؟

في الحقيقة، لم تلغ المحكمة الدستورية النص الخاص بما سمي بقانون منع الاختلاط في جامعة الكويت، بل أعملت سلطتها في تفسير القوانين وأوجدت في حكمها حلاً منطقياً للمسألة الشائكة التي صارت محلاً لخلاف طويل تجذر حتى أصبح منطلقاً لفريقين: أحدهما يرى أن المسألة شرعية ويجب فيها إعمال الأمر بالمعروف، وآخر يرى فيها فرض وصاية لتيار متشدد.

عاد التماس بين الفريقين بقرار الجهة المختصة بإلغاء الشعب المشتركة من جداول الطلبة والدعوة مجدداً للتسجيل بناء على فكرة أوصت بها لجنة القِيَم في مجلس الأمة.

كان القرار الذي نطقت به المحكمة الدستورية أن النص الوارد في القانون والذي استندت له الإدارة الجامعية في تطبيقها لقانون فصل الطلاب عن الطالبات في الشعب الدراسية، أن ذلك النص لم يورد ما من شأنه منع الاشتراك في الفصل الدراسي الواحد، بل يمكن أن يتم تطبيق ذلك عن طريق فصل المقاعد والاشتراك في القاعة.

ينص قانون المحكمة الدستورية على إلزامية قراراتها وأحكامها على الكافة بما فيه ذاتها، وعلى ذلك فإن المحاكم عند نظرها للمنازعات الخاصة بالأفراد والجهات، فإنها ملزمة أيضاً بتفسيرات المحكمة الدستورية، والسؤال الذي يتبادر للأذهان هنا: هل القرارات التنظيمية (فتح الشعب الدراسية وإغلاقها) من إطلاقات سلطة الإدارة أم أن يد الرقابة القضائية تمتد لها؟

من المؤكد أن القرار الإداري مكتمل الأركان في تلك المسألة وفي الأصل أن تكييفه القانوني يكون حسب معادلة بسيطة وهي (تم فتح الشعب – تم تسجيل الطلبة – إلغاء التسجيل – فتح التسجيل من جديد – الضرر الواقع)، وعليه فيستبين من ذلك أن ما قررته الإدارة في شأن إلغائها للشُعَب المشتركة، غايته فصل الطلاب عن الطالبات تطبيقاً لقانون فسرته المحكمة الدستورية وفق منطقها الذي لم يحمل النص غير المبني على لفظه وما يسعه من معنى.

عودة للهوية الاجتماعية، ففي القوانين تشكل الصور العامة للنظام، وفيها يتشكل الهيكل الإداري، وفيها محتوى أهداف الحكومة، وفيها تتكون الفرص الاقتصادية وتبنى بحبرها الهيئات والمؤسسات. أما الهوية الاجتماعية فقد تحددها أدوات أخرى ولكن القانون لا يجب أن يكون منها، ذلك أن دلالتها الاجتماعية تحتمل مفاهيم (نحن) و(هم) فإذا استهدف القانون محو (هم) فإنه يكون قعد خالف العقد الاجتماعي، الذي حرر الناس من تبعية الناس وجعل مرجعهم المؤسسات التي تخضع للنظم، وشتان بين الخضوع للمؤسسة المحوكمة وبين الرضوخ للفردية التي تحكمها المزاجية وتأسرها ردات الفعل ويصبح القانون رهينة بعد ان كان سيداً أميناً.