من المغرب إلى ليبيا لم تعُد المسافات بينهما تُحسب بإحداثيات المواقع الشائعة التي تُقاس بالكيلومترات.

فإذا كانت المسافات الجغرافية والزمنية التقليدية تبعد البلدين الشقيقين إلا أنه بات يجمعهما الشعور بالأسى الذي أدمى قلوب العالم عموماً والعرب تحديداً لمصابهما الذي أصاب بفواجعه الجميع.

تحركت الأرض تحت أقدام المغرب فخلّفت على ظهرها آلاف القتلى ونحو 50 ألف متضرّر يحتاجون للإيواء السريع.

وقبل أن تفيق الإنسانية من هول المصيبة فاجأنا إعصار دانيال بغضبه ليتسبّب في اختفاء ربع مساحة مدينة درنة ويتحوّل إلى كارثة طبيعية في ليبيا خارج السيطرة ويخلّف آلاف القتلى، وعدداً لا معلوم على وجه الدقة يتضمّن آلاف المشردين بلا مأوى أو إغاثة كافية.

وكعادتها لم تتأخر الكويت حكومة وشعباً ومؤسسات عن الفزعة لإخوانهم في المغرب وليبيا حيث سارع الجميع بالتبرّع وتسيير حملات إغاثية تعكس حقيقة الكويت وطناً وشعباً في تعزيز رسالتهما الإنسانية ووقفتهم مع إخوانهم.

وإذا لا يسعنا بعد ذلك إلّا أن نسأل الله عز وجل، أن يرحم موتى إخواننا في المغرب وليبيا، ويشفي جرحاهما ويصبرهما على مصابهما لا يفوتنا إلا أن نتذكر حالنا في الكويت حيث أكبر مصابنا لا يتجاوز رفاهية الخلاف السياسي بكل تصدعاته الذي تُعاني منه البلاد منذ سنوات طويلة حتى تفاقمت هذه الحالة المرضية لتحول دون الالتفات المسؤول إلى معالجة المخاطر الاقتصادية والمالية المحدقة بنا بسبب الالتهاء السياسي، رغم الحاجة الملحة إلى التوافق الإنقاذي.

في الأيام الماضية زادت حدة الخلاف السياسي في البلاد إلى درجة أعادت إلى الأذهان مجدّداً المشهد الضبابي الذي يميز الحالة الكويتية منذ سنوات، وبمؤشرات سلبية لم تختلف عن الماضي القريب كثيراً سوى أنها أسهمت في الهبوط بجرعة التفاؤل التي لفّت قلوب وعقول الجميع بمجرد تشكيل الحكومة ومجلس الأمة مستبشرين بمرحلة جديدة عنوانها النظري تصحيح المسار.

وبقراءة موضوعية للمشهد يبدو أن قفازات التحدي لتصحيح المسار لاتزال مليئة بالثقوب ليُعيد التاريخ الحديث نفسه حيث لا صوت يعلو فوق صوت التشابكات السياسية والحسابات الضيقة والتي هي أبعد ما يكون عن أولويات الوطن والمواطن.

وإذ لا نُنكر حق الساسة في ممارسة دورهم التشريعي والرقابي إلا أنه لا يُمكن أيضاً تجاهل أزمة القفز على فقه الأولويات الذي يتربّع على رأسه الحاجة لإطفاء حريق الميزانية العامة وتحقيق التنمية المستدامة للبلاد بمحركاتها الاقتصادية وكفاءاتها البشرية القادرة على صناعة التحوّل الحقيقي والانتقال بالكويت من موقعها الضيق إلى مساحتها الأوسع المستحقة على الأصعدة كافة.

اليوم، لا يخفى على أحد شعور المواطن بالضيق في الطرق والصحة والتعليم والاقتصاد، ناهيك عن أم الأزمات وهي عجز الميزانية اللولبي الذي يتغوّل بمخاطره في اقتصادنا ويُهدّد قدراتنا المالية مما يخشى معه الهبوط الحر.

الخلاصة:

الكويت لم تعد مثل سابق عهدها وكذلك العالم، لكن الفارق بين المسارين أن الاتجاهين معكوسان.

فبينما يُغير العالم وجهته بإحداثيات المرحلة واستحقاقات المستقبل، تقبع الكويت محلك راوح في خلافات سياسية وأزمة تلد أخرى.

خطورة الموقف الحالي أنه لم يعد لدينا متسع من الوقت لإضاعته خارج نطاق العمل للتقدم وتعويض ما فاتنا من نهضة مستحقة للكويتيين الحاليين وللأجيال القادمة.

باختصار، بقاء سد المعاندة والمكايدة السياسية يُشكّل صافرة إنذار لجميع السياسيين تنذرهم بضرورة التوافق سريعاً على هدم هذا السد وبدء تفعيل مسارات الإصلاح المستحق لتفادي خروج الوضع عن السيطرة.