في البداية، نرفع أحر التعازي القلبية للمقام السامي لجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله ورعاه، وللشعب المغربي الشقيق بفاجعة الزلزال الذي خلف آلاف القتلى والمصابين في ولاية مراكش وإقليم الحوز وبعض المدن المغربية، سائلاً الله عزوجل أن يتغمدهم بواسع رحمته وأن يلهم الجميع الصبر والسلوان.

في الساعة الحادية عشرة وإحدى عشرة دقيقة مساء الجمعة الماضي، وبينما أنا منهمك في الحديث بالهاتف مع صديق في الكويت، فإذا بالمنزل يهتز هزة عنيفة جداً سقطت معها اللوحات من على الحائط، فقلت لصاحبي زلزال وبهدوء شديد لبست ثيابي وخرجت للشارع فإذا بالناس في حالة هلع شديد وكأن القيامة قامت... رحماك ربي.

بعض الناس هنا لديهم رباطة جأش ويرددون ذكر الله عزوجل أضفوا بعض السكينة على من هم حولهم.

بدأت بالاتصالات للاطمئنان على الأحباب والأصحاب داخل المغرب وبالوقت نفسه تتوالى عليّ الاتصالات من الكويت وسورية ومصر ولبنان ولندن وأبوظبي ومالطا، بعد ساعتين قررت العودة للمنزل وإذا بالجيران يمسكون بي رافضين عودتي للدار خوفاً عليّ من الهزات الارتدادية، قلت لن أبقى في الشارع ولن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا وفي هذا الأثناء توالت الأخبار عن سقوط ضحايا معظمهم في مراكش في بداية الكارثة، ساد جو الحزن والهلع على الجميع.

المجتمع المغربي مجتمع يشدك بغرابته، في الأيام العادية تسمع النقد اللاذع وجلد الذات في كل مكان وفي الكوارث والملمات تجدهم كأنهم على قلب رجل واحد.

تجربة مريرة ومحزنة جداً زلزال الجمعة الماضي، حيث بدأ الهلع على الأطفال والنساء الله يرحمنا برحمته. في صباح يوم السبت ذهبت لمركز التبرع بالدم في مراكش (سبيطار محمد السادس) شارع علال الفاسي، وإذا بالناس تتوافد رجالاً ونساءً لأجل التبرع بالدم وتلبية لنداء الإنسانية والوطنية وامتدت الطوابير في دقائق إلى آخر الشارع.

في مثل هذه الحالات يجب أن تكون ردة الفعل هادئة قدر المستطاع ومن دون هستيريا وبثبات تام ولن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. جاري العزيز طبيب أسنان الدكتور عثمان، وجدت زوجته في الشارع وأطفالها وهي تصرخ باسمه فاعتقدت أنه في داخل منزله، وهممت بالدخول للبحث عنه في مجمعنا السكني، وبالتالي عرفت أنه خارج المنزل في طريقه للعودة وهذه المسكينة من الصدمة صارت تنادي باسمه وكان رد فعلها ناتج عن صدمة بعد الهزة الأرضية التي بلغت 7 على مقياس ريختر، وبعد ساعات بدأت تتضح الصورة السوداء وتتوالى الأخبار المأسوية، سيدة تبكي بأنين موجع، حماكم الله، فقدت أولادها الخمسة وتعدد أسماءهم، ومسن آخر يقف مردداً لاحول ولا قوة إلا بالله وهو الذي فقد مجموعة من عائلته...

المأساة كبيرة جداً، أعان الله المغرب عليها، نثق في صلابة وإيمان المغاربة في مواجهة المخاطر والخطوب كيف لا وهم سلالات المجاهدين والمناضلين الصابرين والذين رسموا أروع صور البطولات والإيمان بالله عزوجل وبالقضاء والقدر، اللهم يا لطيف نسألك أن تلطف بالمصابين وأن تنزل سكينتك على ذوي المتوفين رحمهم الله رحمة واسعة...

لغاية كتابة هذا المقال تجاوزت الوفيات الـ2000 نسمة نحسبهم عند الله شهداء. وللحديث بقية...

إنا لله وإنا إليه راجعون

jaberalhajri8@