حكاية متداولة في دواوين الكويت، يحكيها الأديب حمد عبدالمحسن الحمد، في كتابه المهم «حديث الديوانية»، وهو الكتاب الذي يرصد الحكاية الاجتماعية الشفوية المتداولة، والغريب منها.

تقول الحكاية إن أحدهم في السبعينات من القرن الماضي، كان يحتل منصباً رفيعاً رسمياً، وهو منصب يرتبط بعلاقات ومصالح واسعة، وشبكة علاقات ومعارف وأصدقاء ممتدة.

وفي الأعياد والمناسبات يفتح ديوانه لاستقبال الوفود والجموع التي تأتي للتهنئة... وفجأة استقالت الحكومة... تشكيل وزاري... وهو خارج المجموعة.

وجاء العيد، وتجهز الرجل لاستقبال المهنئين وأعد الضيافة ونشر رائحة البخور، ومضت ساعة ثم ساعات حتى أن القمر ذاته بدأ يتملل، ثم التفت الرجل إلى أبنائه قائلاً «شصاير ياعيال وين الجماعة؟».

تنتهي هنا الحكاية لتتركنا في فضاء التأمل، رغم كون الحكاية قد تبدو بدهية في وعينا، وأن إجابة سؤال «وين الجماعة»؟ هي إجابة سهلة يستطيع أي أحد أن يجيب عنها، إلا أن الحكاية مليئة بسيرة مجتمعية نراها تتكرر باستمرار دون أن نتساءل حقاً وفعلاً «لماذا اختفوا الجماعة»...؟ وهل حاول صاحب الحكاية أن يعود للساحة لكي يلتف حوله الناس من جديد؟ أم اكتفى بما حدث يوم العيد؟ توفي صاحب الحكاية رحمه الله، ولا أدري هل توصل للإجابة بالتجربة أم بالتأمل أم أن أحد أبنائه أخبره في ثالث أيام العيد أن الجماعة كانوا يهنئون في ديوان الوزير الجديد، وأن الجماعة يلتفون إما حول المنصب وإما حول الدينار، وربما نهض أحد أبنائه الأكبر عمراً وبدأ يمشي في الديوان الفارغ مضيفاً وكأنه توصل للحقيقة «إن الجماعة يلتفون حول احتياجاتهم».

لا شك أن هذه الحكاية تكررت منذ السبعينات وحتى اليوم، تتكرر بأشكال مختلفة وفي مناصب ومواقف متنوعة ضاربة بجذورها في المشهد السياسي والاجتماعي، لأناس تلتف إما تحت «البشت» أو المنصب أو الدينار، وأناس تخاف أن تترك الشأن العام لكي لا يبقى ديوانها فارغاً.

لاحظوا أن الحكاية لا تُطلق حُكماً أخلاقياً على «الجماعة»، ولكنها تترك السامع والقارئ في نهاية بمفترق طرق، وإما التبرير وإما التفهم وإما الإدانة، وإما أن كل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر.

moh1alatwan@