«تعديل المسار.. اقتصاد منتج ورفاه مستدام» شعار تصدر برنامج عمل الحكومة للفصل التشريعي السابع عشر (2023-2027) حاملا بين طياته مجمل أولويات المرحلة المقبلة ومشتملا على منهج عملي واضح المعالم لمواجهة التحديات وتكريس الإصلاح ودفع عجلة التنمية.

ويأتي تقديم الحكومة برنامج عملها إلى مجلس الأمة إعمالا لأحكام المادة (98) من الدستور، وتكريسا لمبدأ التعاون البناء بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بغية تحقيق المصلحة العامة للبلاد.

وجاء هذا البرنامج زاخرا بعدد من المشاريع الاقتصادية والتنموية الرامية إلى تحقيق التنويع الاقتصادي وتحسين الأداء التنموي ومواجهة التحديات التي يعانيها الاقتصاد الوطني لاسيما المالية العامة للدولة.

وتضمن البرنامج خمسة محاور رئيسية هي (استقرار المالية العامة) و(الأجندة الاقتصادية) و(خلق فرص العمل وبناءالقدرات) و(رفاه مستدام ورأسمال بشري قوي) و(حكومة منتجة) يسعى من خلالها إلى بناء اقتصاد مستدام ورعاية رأس المال البشري وتحسين جودة المعيشة إضافة إلى تعزيز كفاءة الحكومة وزيادة الإنتاجية.

وفي هذا الإطار، تحدث عدد من المعنيين عن برنامج عمل الحكومة وأهم المشاريع فيه وآلياته تنفيذه ومعرفة أبرز أولوياته، حيث دعا عضو لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس الأمة النائب عبدالله الأنبعي إلى «تضمين برنامج عمل الحكومة آليات علاج وحلولا منطقية وواقعية للمشاكل الحقيقية التي يعانيها المواطن الكويتي».

وأشاد بفكرة إنشاء (صندوق سيادة للتنمية) الهادف إلى توطين الاستثمار في الاقتصاد الوطني ودفع عجلة التنمية، مبينا أن من شأنه خلق فرص عمل للمواطنين بأعداد كبيرة وزيادة الإيرادات غير النفطية.

كما أكد ضرورة تكويت القطاع الخاص الكويتي من خلال استقطاب الكفاءات الوطنية وتوفير ظروف عمل مناسبة وسط الخلل الكبير في سوق العمل، حيث يعمل نحو 90 في المئة من الكويتيين في القطاع العام في وقت تبلغ تكلفة الرواتب في الموازنة العامة نحو 14 مليار دينار كويتي (نحو 45 مليار دولار أميركي).

وشدد الأنبعي على أهمية التحول الرقمي في الأعمال الحكومية ودوره في خلق بيئة خصبة وجاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية، وتحسين جودة الخدمات المقدمة وتقليل الدورة المستندية.

من جهته أكد مدير إدارة الاقتصاد الكلي والسياسة المالية بوزارة المالية الكويتية الدكتور عبدالعزيز العصيمي أن الحكومة حرصت على أن يكون برنامج عملها واقعيا وواضح الملامح قابلا للتنفيذ وفق مواعيد زمنية محددة، مضيفا أنه من خلال البرنامج تم تحديد الأولويات والمستهدفات والاتجاهات التنموية العامة ومختلف القضايا والمشكلات التي تهم الوطن والمواطن.

وقال إن البرنامج تضمن الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية المطلوبة ومن أولوياته تهيئة بيئة الأعمال الخاصة بإنشاء المناطق الاقتصادية وفق معايير دولية وبشراكة عالمية مع منح القطاع الخاص الكويتي دورا في تحقيق الأهداف التنموية وفقا لرؤية (كويت 2035).

وأفاد بأن البرنامج تضمن أيضا خططا للارتقاء بالعمل الحكومي وفق أسس من أنظمة الحوكمة التي تتسم بالشفافية والعدالة، مشيرا في هذا الصدد إلى أن البرنامج يسعى لإقرار ميزانية متوسطة الأجل والتحكم في المصروفات الحكومية من خلال تدشين منصة مركزية للمشتريات الحكومية بحيث تكون المشتريات بشكل شبه جماعي.

وأضاف أن البرنامج يتضمن كذلك مراجعة وتسعير أملاك الدولة بوضع معايير لضبط آلية التسعير ووضع إطار عام للضريبة على الشركات الوطنية الكبرى، قائلا «الحكومة بدأت بوضع إطار تشريعي يضمن ألا تفوت فرصة استفادة الخزينة العامة من أي دخل ضريبي مفروض عالميا».

وبين أن البرنامج يتضمن إقرار قانون للدين العام وإطارا منظما له وهو من المتطلبات التي تركز عليها المنظمات المالية العالمية، مؤكدا أن الحكومة ترغب في ربط الدين العام بمشاريع ذات قيمة اقتصادية مضافة.

وتابع العصيمي أنه من أولويات البرنامج أيضا التوسع بالاستثمار في البنية التحتية بقطاع السياحة والترفيه ودعم أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة وإعادة التقييم المستمرة للحد الأدنى للمعاشات التقاعدية، علاوة على وضع إطار متكامل لمراجعة رواتب القطاع العام وتدشين إطار وطني للتكويت في القطاع الخاص.

وقال إن هناك قطاعات ذات أولوية اقتصادية منها قطاع النقل ومشروع مبنى مطار الكويت الجديد وتطوير ميناء مبارك من خلال شراكات أجنبية، مؤكدا حرص الحكومة على حل القضية الإسكانية لاسيما عقب إقرار مجلس الأمة أخيراً قانون إنشاء شركات المدن الإسكانية «وهناك عدد من القوانين الأخرى ستقر في أدوار الإنعقاد المقبلة لحل هذه القضية».

وأوضح أن البرنامج تضمن أيضا تدشين مشروع الربط السككي الحديدي الخليجي المشترك، وافتتاح مدينة الكويت للشحن الجوي بالتعاون مع مشغل عالمي، إضافة إلى إنشاء وحدة لإدارة السيولة للخزينة العامة للدولة وإقرار خطط سيولة طارئة.

وفيما يتعلق بقطاع الاتصالات والتكنولوجيا قال العصيمي إن البرنامج يهدف إلى تأسيس شركة بريد الكويت وفقا لأفضل الممارسات وإطلاق المشروع الوطني الشامل للتحول الرقمي.

ولفت إلى أن البرنامج يسعى إلى رفع تصنيف أسواق المال الكويتية من «ناشئة» إلى «ناشئة متقدمة» بمؤشر (فوتسي راسل) إضافة إلى افتتاح حاضنة للابتكارات في مجال التقنية المالية (فنتك).

وحول الأولويات الحكومية في قطاع النفط والبتروكيماويات ذكر أن الحكومة تهدف وفقا للبرنامج إلى رفع الطاقة الإنتاجية للنفط الخام إلى 3.15 مليون برميل نفط يوميا وزيادة الطاقة التكريرية داخل الكويت إلى 1.45 مليون برميل نفط يوميا إضافة الى تجهيز البينة التحتية لحقل الدرة.

وأكد العصيمي أن البرنامج يستهدف تحويل 90 في المئة من الخدمات الحكومية إلى رقمية وإصدار دليل شامل لجميع الخدمات التي تقدمها كل الجهات الحكومية إضافة إلى إطلاق منظومة متكاملة للأمن السيبراني.

وفي إطار دعم الحكومة للتماسك الاجتماعي وقضايا الشباب، أفاد بأن برنامج عمل الحكومة تضمن تأسيس فرق لحماية الطفل من أشكال الأذى المختلفة وإنشاء منصة للبلاغات عن حالات العنف الأسري، إضافة إلى إنشاء عدد من المراكز الرياضية والتعليمية والثقافية والترفيهية.

من جانبه رأى أمين سر الجمعية الاقتصادية الكويتية عبدالعزيز الحميضي أن برنامج عمل الحكومة يعتبر «خطوة للأمام» في إطار العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مشيرا إلى اشتماله على غالبية الأولويات النيابية والشعبية وتضمنه حلولا زمنية للكثير من القضايا التي تهم الشارع الكويتي.

وأكد الحميضي ضرورة إعادة صياغة رؤية (كويت 2035) لتتواكب مع التحولات والمستجدات التي طرأت على الساحتين المحلية والإقليمية وما صاحبها من تغيرات هيكلية إقتصادية.

وأوضح أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة لن تخرج من القطاع الاستهلاكي إلى القيمة المضافة ما لم يتغير النهج الاقتصادي المتبع في الدولة، داعيا إلى خلق بيئة مناسبة للقطاع الخاص الكويتي ككل لتجاوز التحديات الكبيرة التي تواجهه.

وأشاد بما تضمنه برنامج العمل في عدد من الملفات منها على سبيل المثال لا الحصر إنشاء هيئة العقار وإنشاء صندوق (سيادة) للتنمية وإعادة تقييم ملف أملاك الدولة، مؤكدا أن بوابة الإصلاح الاقتصادي هي تنويع مصادر الدخل.

وشدد على أهمية محاربة الفساد وتعزيز الحوكمة والشفافية وهو ما تضمنه البرنامج أصلا نظرا إلى أثره البالغ على المركز المالي للدولة وتصنيفها الصادر من مؤسسات التصنيف الائتمانية العالمية.