أُتابع على شاشة التلفزيون باستمرار القنوات الوثائقية، وهذا ما تفتقده القنوات الكويتية بحكم أن إنتاج الأفلام الوثائقية مكلّف جداً، ولا يحظى بإقبال على الشراء من قبل بعض القنوات التلفزيونية التي تميل إلى الترفيه والتفاهة في الوقت ذاته.

وبمناسبة استضافة العاصمة الفرنسية باريس المفاوضات الدولية الثانية التي تسعى للحد من تلوث البلاستيك بالتعاون مع دول العالم، تفاعل الإعلام الأوروبي معها وكذلك فعلت القنوات التلفزيونية الأوروبية الناطقة بالعربية، وقد استمتعت كثيراً بمتابعتي لقناة «الجزيرة» التي بثت برنامجاً يحمل اسم «التلوث البلاستيكي»، وقد هالني ما قدّمه من معلومات مخيفة جداً عن تلوث الكرة الأرضية بالبلاستيك، وأثر ذلك على الصحة العامة للبشرية.

وقالت ايرين سيمون، من الصندوق العالمي للطبيعة بالولايات المتحدة، لقد تضاعف معدل استهلاك البلاستيك اربع مرات في ثلاثين عاماً بسبب نمو الأسواق الناشئة، وهو معدل مخيف كما أن اكثر من نصف المنتجات البلاستيكية ترمى في النفايات بعد الاستعمال لمرة واحدة فقط، الأمر الذي يُعد كارثة بيئية.

وتناول البرنامج الوثائقي معلومات قيّمة منها ان البلاستيك مسؤول عن 3.4 في المئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، وانه تتم إعادة تدوير 9 في المئة فقط من النفايات البلاستيكية و19 في المئة يتم حرقها و50 في المئة يتم طمرها، أي انه ما يُقدّر بنحو 30 مليون طن من النفايات البلاستيكية والرقم في تزايد مستمر، وقد تراكمت الآن في البحار والمحيطات، الأمر الذي يتطلّب تدخلاً سريعاً لإنقاذ كوكب الأرض.

وبيّن البرنامج ان نصيب الفرد بالولايات المتحدة الأميركية يبلغ 221 كيلوغراماً سنوياً وفي الدول الأوروبية 114 كيلوغراماً، وهي كبيرة في العديد من دول العالم، وهناك حقيقة مرعبة وهي ان دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مسؤولة عن 14 في المئة من اجمالي انبعاثات البلاستيك في العالم وتلك جريمة نكاد نشترك بها جميعاً.

ولقد تضاعف معدل استهلاك البلاستيك أربع مرات في ثلاثين عاماً بسبب نمو الأسواق الناشئة، واذا لم يتخذ العالم تدابير قوية لكبح الإنتاج فسيزيد المعدل ثلاثة أضعاف بحلول 2060م.

وتُشكّل 3.4 في المئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية بسبب ما ينتجه العالم من النفايات البلاستيكية وقد تضاعفت كثيراً مقارنة بما كان ينتجه قبل 20 عاماً.

ورغم كل الجهود من قبل السياسيين والإعلاميين والكثير من العلماء إلا ان 9 في المئة فقط تتم إعادة تدويرها، و19 في المئة من النفايات البلاستيكية يتم حرقها، و50 في المئة يتم طمرها، ويُقدّر وجود ثلاثين مليون طن من النفايات البلاستيكية تراكمت الآن في البحار والمحيطات.

وأكدت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن هناك اكثر من مئة وعشرين دولة على مستوى العالم تفرض ضرائب على بعض المواد أحادية الاستخدام أو تمنعها، إلا ان الوضع مازال مأسوياً.

وتابعت أيضا في وقت لاحق على القناة الألمانية الناطقة بالعربية برنامجاً آخر يتناول التلوث البلاستيكي، وهو أمر يُشير إلى ان العالم يسعى إلى أن يكون خالياً من النفايات لكنه لم ينجح.

وقد حاولت احدى شركات انتاج المشروبات الغازية المساهمة في التقليل من الكارثة البيئية، لكنها ورغم المبادرات الكثيرة إلا ان النتائج مازالت دون مستوى الطموح، خاصة انها شركة تقوم بتعبئة منتجاتها في علب بلاستيك، وبالتالي فهي مسؤولة عن أطنان من النفايات البلاستيكية، فحاولت انتاج قوارير قابلة لإعادة التدوير.

وتناولت الآراء من قبل المختصين انه لابد من إنشاء بنية تحتية لإعادة التدوير، وهي غير متوافرة في كل بلاد العالم، وهناك مَنْ يُطالب بتعبئة المشروبات في زجاجة بدلاً من البلاستيك، كما ان هناك فكرة التشجيع على إعادة الزجاج إلى المتجر للحصول على مبلغ عند الاسترداد، وقامت تلك الشركة التي تنتج المشروبات الغازية بحملة لدفع دولار مقابل خمسين قارورة بلاستيك.

وهناك تجارة جمع البلاستيك وبيعها على مستوى العالم، حيث ان دولة مثل استراليا هي من أكثر الدول استيراداً للبلاستيك.

المختصون طالبوا بحلول إقليمية لإعادة التدوير للنفايات البلاستيكية، إلا انه من الصعب إعادة جمع كل القوارير التي تُباع في دول العالم كافة، ويمثل ذلك تحدياً كبيراً كون النفايات البلاستيكية في كل مكان، خاصة ان الكثير من الدول قامت بحملات لجمعها، إلا انه لا يُمكن الاعتماد على جامعي النفايات في الدول الفقيرة والذين يعملون بمعدل عشر ساعات مقابل دولار واحد فقط، هو نصيب مَنْ يعمل بجمع النفايات البلاستيكية، خاصة ان هناك مشكلة أخرى وهي انه إلى جانب الكبار الذين يعملون بذلك فإن الكثير من الاطفال يعملون في جمع النفايات.

وذكر البرنامج انه يتم منح مَنْ يقوم بجمع القوارير في دولة افريقية مثل أوغندا ما يساوي نصف دولار مقابل كيلو من القوارير البلاستيك، علماً بأن الفئات الأضعف في المجتمع هي مَنْ تعمل في جمع النفايات.

وشرح البرنامج عملية إعادة التدوير حيث يتم جمع العبوات البلاستيكية ثم يتم تحويلها إلى مادة على هيئة حبيبات ثم تعود إلى قارورة مرة أخرى، موضحاً ان عملية جمع القوارير هو التحدي الحقيقي، خاصة ان معدل معاناة الدول متباينة وتعتبر شواطئ الفيلبين هي من اكثر الشواطئ تلوثاً بالعلب البلاستيكية على مستوى العالم، كما ان بعض الشركات التي تنتج القوارير البلاستيكية صغيرة الحجم تزيد من تفاقم المشكلة.

وتسعى الدول المتطورة في إيجاد حلول ناجعة عبر إيجاد منظومة وأساليب شاملة طويلة المدى وإنتاج قوارير بلاستيكية يُمكن إعادة تدويرها بنسبة مئة في المئة، لكنها محاولات طموحة مازالت تجد صعوبات فنية أو صعوبات بالتجميع بعد بيعها.

ومازالت تكلفة التجميع تفوق تكلفة التصنيع، كما ان تكاليف الجمع والمعالجة تمثل تحدياً كبيراً خاصة أن البلاستيك يُصنع من الوقود الاحفوري، وبالتالي فإن معدل انبعاثات الكربون يُشكّل كارثة بيئية وهناك مَنْ لا يتشجع لأيّ تحرك، لان تكلفة عملية إعادة التدوير للقارورة أكثر من شراء علبة جديدة، وبالتالي فان صحة الناس باتت تتأثر سلباً من حرق البلاستيك حيث ان الكثير من الأمراض باتت تُصيب الكبار والصغار معاً حيث امراض «الرئة والسعال والربو» بل إن عملية تلوث الهواء هي السبب الرئيس للضرر بالإنسان وبالحيوان و بالأشجار، الأمر الذي يُهدد الحياة بشكل عام.

وتتم عملية حرق البلاستيك في مكبات مفتوحة كما ان نظام التأمين المرتجع للعبوات البلاستيكية نجح الى حد كبير خاصة في بعض دول أوروبا لكنها متأخرة كثيراً في الكثير من الدول الاخرى.

وهناك قوارير نظيفة يُمكن إعادة استعمالها بسرعة عبر وضع مراكز تجميع القوارير في مختلف المدن والمطارات فلماذا لا يتم تطبيقها في كل دول العالم؟.

ويبقى السؤال كيف نجعل العالم بلا نفايات؟

والتجميع المرتجع هو الحل، حيث إن عملية جمع القوارير وتنظيفها وإعادة تعبئتها إلى السوق بمعدل ثلاثمئة مليون علبة بلاستيكية يومياً، وهي تنتج بمعدل مرة واحدة فقط لشركة مشروبات غازية واحدة فقط!.

وتبقى عملية تدخل الحكومات حاجة ماسة وإلا فإن الواقع هو عملية تراكم جبال من العلب البلاستيكية وهي تمثل تحديات كبيرة. وبالختام فإن العالم بات يُحرز تقدماً جيداً لكن الطريق مازال طويلاً.

وفي قناة «بي بي سي» الناطقة بالعربية استضافت الدكتور يوسف الشمري، الرئيس التنفيذي لشركة «سيماركيتس» في بريطانيا الذي تحدث حول مكافحة التغير المناخي، كما ان صندوق النقد الدولي يدعو إلى تسعير الكربون لتسهيل الانتقال في مجال الطاقة وسط مفاوضات مهمة حول معاهدة دولية لمكافحة التلوث البلاستيكي.

وقال يوسف الشمري ان هناك بعض المحاولات لإيجاد حلول بديلة للبلاستيك مثل الورق المقوى الذي بات منتشراً في بعض الدول الأوروبية، ومازال البحث عن بدائل مستمراً، كما اننا بحاجة الى تشريعات بيئية وهناك تباطؤ بالنمو الاقتصادي بسبب قلة الطلب على البلاستيك، إلا ان الأنشطة الصناعية في الصين بحاجة الى الكثير من البلاستيك.

وفي الولايات المتحدة يوجد الغاز الصخري، وبالتالي فان الاعتماد على البلاستيك يكون أقل نوعاً ما بيد ان هناك انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وقد تم تسعير الكربون بمعدل ثمانين يورو للطن.

وفي الكويت، قدّمت عضوة المجلس البلدي شريفة الشلفان مقترحاً في شأن مشروع إعادة تدوير قناني البلاستيك واغطيتها كون البلاستيك يُشكل 20 في المئة من النفايات الصلبة، وثاني أكبر فئة من النفايات بعد النفايات الغذائية، خاصة ان عملية تحلله تستغرق وقتاً طويلاً جداً يصل إلى اكثر من أربعة قرون من الزمن، ولا اعلم ان كان لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي أيّ دور في الحفاظ على البيئة، كما أتمنى من الحكومة أن تكون مكافحة التلوث البلاستيكي ضمن أولوياتها.

همسة:

لطالما اختلفنا في الكثير من الأمور فلنتفق على مكافحة التلوث البلاستيكي.