المثقف له صورة إيجابية في نظرة المجتمع، وعادة يتحدث المثقفون بلغة راقية ويستخدمون مفردات منتقاة تعكس تهذيباً في الذوق، فالثقافة ليست بكمية ما يملكه الإنسان من معلومات، بل هي بمقدار تشبُّع جوارحه بالمعلومة.

وقد تم الاشتقاق العربي لكلمة الثقافة من مادة ثقف التي عرّفها مجمع اللغة العربية: بأنه كل ما فيه استنارة للذهن وتهذيب للذوق، ويقابلها باللغة الانكليزية كلمة (culture) ذات الأصل اللاتيني والتي تعكس معنى الرعاية والعناية التي يوفرها المُزارع لنمّو زرعه.

فالمثقف إذاً إنسان مهذب لديه قدرة على رعاية أفكاره ونشرها من أجل مصلحة مجتمعه، من هنا جاءت الصورة الإيجابية لكلمة مثقف، وبسبب هذه الصورة الحلوة تمنّى كثير من الرجال والنساء أن ينالوا شرف هذا الوصف، وكعادة معظم البشر بالعجلة، نجد كثيراً من المتعلمين غير قادرين على الصبر ليقطفوا ثمرة العلم، والتي هي الثقافة؛ بل أحياناً ترى علمهم قد باعد بينهم وبين الثقافة فلم يكسب من معلوماته التي درسها سوى زيادة في قلة الذوق والتكبّر ما يجعله بعيداً جداً عن صفة المثقف.

إذا وجدت رجلاً متكبراً أو امرأة متعالية فكلاهما لا ينتميان إلى طبقة المثقفين، وإذا وجدت عالماً زاده علمه تواضعاً ومحبة للناس فهذا الذي أثمر علمه ثقافة وسيستفيد المجتمع من علمه.

كلما اقترب المُفكّر والعالِم من الناس؛ وكلما وظّف علمه لخدمة مجتمعه؛ كسب ثقافة أكبر، وفي كثير من الأحيان لا ترتبط الثقافة بالتعليم النظامي فهناك كثير من مثقفي العالم الذين وجهوا مجتمعاتهم إلى طُرق الرقّي والتحضُّر، هناك كثير منهم لم ينالوا نصيباً كبيراً من التعليم النظامي بل كانت ثقافتهم نتيجة علم وتحصيل ذاتي لم يصدّهم عنه أي معوقات أو حواجز، وأيضاً لم ترتبط الثقافة يوماً بالمال أو الجاه، فكثير ممن يملكون المال الوفير تكون حصيلتهم الثقافية محدودة؛ وكذلك أصحاب الجاه تجد منهم الكثيرين ممن لا يستطيع أي مثقف أن يتحمل الجلوس معه طويلاً، وذلك بسبب ضحالة فكرهم ونقص التهذيب لديهم.

ومن أكبر التحديات التي تواجهها الدول النامية ومنها الكويت رغبة أصحاب المال والنفوذ في دخول محراب الثقافة، وهم يبذلون المال ويسخّرون الإعلام من أجل الحصول على مكانة المثقّف، وعادة لا ينجحون بذلك، فقط ينجحون بإفساد الوسط الثقافي وانصراف المجتمع عن المثقفين ما ينعكس سلباً على تقدم المجتمع وتطوره.

إنك لن تجد مجتمعاً يكثر فيه المثقفون إلا وتجده مجتمعاً حياً تتفاعل فيه الأفكار وتتقارب وجهات النظر ويزداد مع الأيام تجانساً، والعكس صحيح، إذا زاد عدد مدعي الثقافة في أي مجتمع فسوف ينتشر في هذا المجتمع العصبيات والاختلافات وتتباعد وجهات النظر ويصبح المجتمع مشتتاً فيسهل تمزقه.

إننا نبحث في الكويت عن مثقفين، وكلما زاد عددهم بيننا زاد ترابط مجتمعنا. وتناقصت الفروقات بيننا.