شهدت فرنسا أزمات داخلية مثل مظاهرات حركة السترات الصفراء احتجاجاً على ارتفاع أسعار الوقود، وتكاليف المعيشة، والنظام الضريبي الجديد الذي يناسب الأغنياء ويثقل كاهل طبقة العمال والطبقة المتوسطة. تبعتها مظاهرات تطالب بعدم مدّ سن الخدمة سنتين، وإبقاء نظام التقاعد كما كان.
كما أثار حفيظة الفرنسيين إعطاء الشرطة الفرنسية مزيداً من الصلاحيات ما أدى إلى استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين، وقتل الشاب نائل، 17 عاماً، بالرصاص الحي على يد أحد أفراد شرطة المرور.
كما شهدت فرنسا مظاهرات نسوية تطالب بحمايتهن من العنف المنتشر في فرنسا ضد النساء. ناهيك عن الأزمات الخارجية المتمثلة في الانقلابات التي تشهدها بعض دول «مجموعة إيكواس» الأفريقية التي تحاول التفلّت من السيطرة الفرنسية عليها، والحرب الدائرة بين أوكرانيا وروسيا على حدود الاتحاد الأوروبي.
لكن يبدو أنّ شبح العباءة الإسلامية لم يغب عن بال المسؤولين الفرنسيين في خضم هذه الأزمات المتلاحقة، الأمر الذي دفع وزير التعليم الفرنسي غابريال أتال، أن يتعهد في أغسطس الماضي بحظر ارتداء العباءة في المدارس الفرنسية، بحجة أنها تنتهك القوانين العلمانية الفرنسية.
العباءة المقصودة هي مجرد ثوب واسع يلبس فوق الملابس مثل المعطف، وليس كالعباءة «العباية» المعروفة في منطقتنا الخليجية التي تغطي كامل جسم المرأة بما فيه الرأس.
هنا يقف المرء مندهشاً من هذه الدولة التي تتباهى بشعار الحرية أمام الأمم، بينما تلاحق فتيات المدارس وتمنعهن من ممارسة حريتهن في لبس ثوب فضفاض، مع أنّها عاجزة عن تفسير وتحديد شكل الثوب العلماني الفرنسي المقصود!
يأتي هذا الحظر بعد حظر لبس الحجاب في المدارس الفرنسية عام 2004. واضح أنّ السلطات الفرنسية لا تحترم حقوق الجالية المسلمة وتحاول دمجها قسراً في المجتمع الفرنسي، رغم أنّ عدد طالبات الجالية المسلمة ممن يهتممن بالزي الإسلامي قليل جداً إذا قورن بالأعداد الكبيرة من نظيراتهن من الأصول الفرنسية.
الذي يبدو هو أن مشروع حظر العباءة يأتي في إطار قانون «مكافحة الانفصالية» الذي أقرّ في العام 2021 ويستهدف الجالية المسلمة بعينها على اعتبار أنّها - حسب المسؤولين الفرنسيين - تعيش حالة انفصالية عن المجتمع الفرنسي، وبمعنى آخر دولة موازية للجمهورية الفرنسية!
مثل هذه الهلوسات الفرنسية الناتجة من مرضها بالتوحّد العلماني تجاه الجالية المسلمة لا تجد لها مثيلاً في جارتها الكبرى بريطانيا أو الولايات المتحدة الأميركية رغم أحداث الحادي عشر من سبتمبر.