كشفت مصادر ذات صلة لـ«الراي» أن مؤسسة البترول الكويتية حصلت على موافقة أولية «شفهية» من وزارة المالية على عدم تحويل أرباحها عن العامين الماليين 2021 /2022 و2022 /2023، والمقدّرة بنحو 4 مليارات دينار إلى الخزانة العامة.
وبيّنت المصادر أنه في حال إقرار الموافقة النهائية من قبل «المالية» ستحتفظ «مؤسسة البترول» بأرباحها عن السنة المالية الماضية والمقرّة بنحو 2.664 مليار دينار، وعن السنة المالية السابقة لها والبالغة قيمتها قرابة 1.2 مليار، على أن تبوّب هذه الأموال في رصيد صندوق احتياطاتها، ومن ثم امتصاصها في تغطية خطط المؤسسة ومقابلة احتياجاتها التمويلية المستقبلية.
وأشارت المصادر إلى أن «مؤسسة البترول» برّرت طلبها لوزارة المالية حجز أرباحها عن العامين الماليين الماضيين بأن هذا الإجراء يستقيم مع تحركاتها نحو رفع قدرتها الإنتاجية والاستثمارية إلى حدود تتطلب مضاعفة مشاريعها وبالتبعية زيادة تكلفة التوسع والحاجة الإضافية لتمويلات يُمكن من خلالها تنفيذ المشاريع المرتقب إطلاقها خلال الفترة القريبة المقبلة.
رفع السقف
وعملياً، «مؤسسة البترول» ليست الجهة الحكومية الأولى التي حصلت على موافقة «المالية» للاحتفاظ بأرباحها، فقبل فترة قريبة حصل بنك الكويت المركزي على الإذن لرفع سقف رصيد صندوق احتياطيه العام 4 مرات، وذلك من خلال زيادة المبلغ إلى 5 مليارات دينار صعوداً من مليار حالياً ليصل مع ذلك إجمالي أرباح «المركزي» و«البترول» المقرّر حجزها إلى نحو 8 مليارات دينار.
ومحاسبياً، يعني إقرار حجز أرباح الجهات الحكومية في ميزانياتها حتى بلوغ الاحتياطي المستهدف، عدم تحويل صافي أرباحها عند نهاية كل سنة مالية كما هو معمول به في ميزانيات الجهات المستقلة، وذلك حتى تنتهي من تكوين كامل الرصيد الموافق عليه من «المالية»، ما يُخالف توجهات الحكومة نحو زيادة السيولة المتدفقة إلى المالية العامة لتعزيز صندوق الاحتياطي العام وكبح جماح العجز المالي.
نقطة نظام
هنا قد يكون الجزء الخبري انتهى، لكنه فتح للنقاش نقطة نظام وجدلية واسعة تتعلّق بمكاسب وأضرار إقرار حجز أرباح الجهات الحكومية الكبرى مثل «المركزي» و«مؤسسة البترول» لتعظيم احتياطاتها في وقت تواجه فيه الميزانية العامة عن السنة المالية الحالية مخاطر العودة إلى زمن العجوزات مجدداً بنحو 6.8 مليار دينار عجزاً مقدّراً، فيما يعود مع ذلك إلى الواجهة مجدداً الصداع الحكومي النيابي في العام 2020 حيث ضجّ النواب وقتها من إثارة لجنة الميزانيات والحساب الختامي موضوع احتجاز نحو 7 مليارات دينار أرباحاً مرحّلة لمؤسسة البترول، إذ كان هناك رفض نيابي واسع لهذه الخطوة ولم يهدأ الخلاف مع الحكومة حتى تم الاتفاق على تحويل هذه المبالغ للمالية العامة على دفعات.
بالطبع هناك وجهتا نظر في هذا الخصوص، الأولى مرتبطة بالجهات الحكومية الراغبة في زيادة احتياطياتها، فعلى صعيد «المركزي» غمزت وجهة النظر المؤيدة من قناة أنه رغم تمتع البنوك الكويتية بمصدات رأسمالية مرتفعة ونسب سيولة قوية حتى في ظل سيناريو يفترض صدمات شديدة لمنحنى العائد، وارتفاعاً حاداً في معدل الخسارة عند التعثر، إلا أن ذلك لا يعني خفوت المخاوف الرقابية من امتداد مخاطر تداعيات أزمة البنوك إلى القطاع المصرفي العالمي ومن ثم محلياً، ما يفرض لدى «المركزي» حذراً إضافياً يدفعه للمبادرة بطلب التحوط وتدعيم احتياطاته تحسّباً لمستقبل ضبابي تعيشه الأسواق حالياً حسب رأيه.
كما يرجح زيادة التكلفة النقدية من متابعة تطور أسعار الفائدة في السوق المحلي والأسواق الأجنبية، وضبط تأثير ذلك على السياسة النقدية والائتمانية، علاوة على مساعي زيادة الاحتياطي من العملة الصعبة.
كرة ثلج
في المقابل، هناك رأي معارض ولديه منطقه المعتبر، وهو أن ما يحدث حالياً بالأسواق لا يزيد خطورة عن مجريات الأزمة العالمية التي اندلعت في 2008، حيث كانت وقتها مثل كرة الثلج تكبر يومياً، والبنوك المحلية لم تكن بقوتها الرأسمالية حالياً أو مصداتها المتجذرة، ورغم ذلك لم يطلب «المركزي» تضخيم احتياطاته علماً أن الميزانية العامة كانت تسمح وقتها بالوثب عالياً.
إضافة إلى ذلك، وبشهادة محافظ «المركزي» باسل الهارون، تتمتع البنوك بمتانة قوية وسيولة مرتفعة، ما يجعل السؤال مشروعاً عن الاعتبارات التي تدفعه إلى مضاعفة التكلفة الرقابية، إلا إذا كان ذلك مدفوعاً بحساسية مفرطة يمكن تهدئتها من خلال قراءة بيانات البنوك ومؤشر المخاطر المنخفض محلياً.
طاقة إنتاجية
وبالنسبة لـ«مؤسسة البترول» فيستند مؤيدوها إلى تصريحات نائب رئيس مجلس الوزراء وزير النفط وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار وزير المالية بالوكالة، الدكتور سعد البراك، والتي رجّح خلالها بلوغ الاستثمارات الكويتية في مجال الطاقة على المدى الطويل وحتى 2040 أكثر من 300 مليار دولار.
علاوة على ذلك، هناك اعتبار إضافي يتمثل في أن الكويت تستهدف زيادة طاقتها الإنتاجية من النفط لتبلغ 3.2 مليون برميل يومياً بنهاية 2024، ما يتطلب عموماً زيادة الصرف الاستثماري لبلوغ هذا المستهدف الاستثماري والإنتاجي، من خلال عدم تحويل أرباحها المحققة عن العامين الماضيين إلى الخزينة العامة كما درج الإجراء المحاسبي.
في المقابل، هناك رأي لا يُمكن تجاهله يتعلّق بأنه لا يمكن تقوية ميزانية «البترول» وتجاهل أزمة سيولة الميزانية العامة وعجوزاتها المتتالية منذ سنوات، والتي زادت معها المخاوف إلى الدرجة التي حذّر فيها وزيرا المالية الأسبقان براك الشيتان وخليفة حمادة، من «قرب نفاد السيولة من خزانة الدولة»، أخذاً بالاعتبار أنه لدى «البترول» خطوطها التمويلية المختلفة، وبفائدة محفّزة جداً، ما يجعلها بعيدة عن ضغوط تسييل أصولها أو وقف مشاريعها المستقبلية لنقص التمويل إذا حوّلت أرباحها إلى الخزانة العامة.
خطط إنتاجية
ولعل ما يُعزّز هذا الرأي أن الميزانية التقديرية عن السنة الحالية تشير إلى عجز مقدر يبلغ نحو 6.8 مليار دينار، ما يزيد أهمية العمل على تعزيز سيولة صندوق الاحتياطي العام، وليس تخفيف تدفق أرباح الجهات الحكومية خصوصاً الكبرى، حيث إنه سيقابل دعم هذه الجهات لخططها الرقابية والتمويلية إضعاف لموارد الميزانية المالية.
ويشير هذا الرأي إلى مفارقة تتعلق بأنه في الوقت الذي تتمسك فيه الحكومة بقانون الدَّين العام الذي يقارب سقفه الترجيحي 20 مليار دينار، باعتبار أنه لم يعد رفاهية مالية بل حاجة تمويلية ملحّة، تفرّط «المالية» بنحو 40 في المئة من قيمة مستهدفها للدَّين العام لصالح تعزيز احتياطات جهتين حكوميتين.
الهبوط الحر للنفط
هناك توافق على أن عدم حجز الأرباح المرحّلة لـ«المركزي» و«البترول» أفضل من اقتراض الدولة 20 مليار دينار كما تستهدف الحكومة من محاولة إقرار قانون الدَّين العام.
وأمام ذلك لا يُمكن أن تعتبر خطط «المركزي» الرقابية أو خطط «البترول» الاستثمارية والإنتاجية عذراً للترويج للعودة لزمن حجز الأرباح، لاسيما في ظل الضغوط الكبيرة التي تواجه الميزانية العامة التي تتطلّب مساراً أكثر حكمة يطالع المشهد المالي من جميع الزوايا وليس من الناحية الأقرب.
فمنذ بدء رحلة الهبوط الحر لأسعار النفط في منتصف عام 2014 تغيرت الكثير من معالم الوضع الاقتصادي للخليج عموماً والكويت تحديداً، المعتمدة بشكل شبه كلي على دخل الذهب الأسود الذي أخذ رويداً رويداً يفقد بريقه بدفع من تقلبات الأسواق، ما يتطلّب تغييراً موازياً في ثقافة بناء الميزانيات الحكومية التي يتعيّن أن تراعي الوضع المالي العام الذي يتطلب شدّ الأحزمة وخفض الإنفاق أكثر مقابل زيادة الإيرادات العامة.