لم يعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن عبث، أن إيران تقف وراء الهجمات المتعددة والكثيفة التي تتعرّض لها بلاده في الأشهر الأخيرة داخل الأراضي المحتلة، إذ إن طهران قرّرت منذ فترة ليست بقريبة أن تردّ على الضربات الإسرائيلية في سورية في الداخل الإسرائيلي عبر «الذئاب المنفردة» وعمليات أخرى أوجعتْ الاحتلالَ، عدا عن التزويد المتواصل للمقاومة الفلسطينية بالأسلحة المتطوّرة بما يتناسب مع متطلباتها.

من ناحيته، يقوم الجيش الإسرائيلي بقصف مواقع داخل سورية، وآخِرها دمّر، للمرة الأولى، نحو مليوني ليتر من البنزين الإيراني الذي تُحْضِرُه الناقلات الإيرانية شهرياً لدعم سورية بالنفط، وهي التي تتعرّض لأقسى العقوبات الغربية.

وتُفاقِمُ السيطرة الأميركية على الشمال الشرقي الغني بالنفط والغاز والأراضي الخصبة، أزمةَ الطاقة والغذاء، لتزيد معاناة السوريين. فإلى متى تستمر هذه الحرب الخفية الإيرانية - الإسرائلية وهل مصيرها التصعيد أم التوصل إلى تفاهم مشترك؟

استطاعت إيران تحويل التهديد الأميركي - الإسرائيلي فرصةً بعدما فشلت الحرب في تغيير القيادة السورية رغم مرور أكثر من عقد من الحرب الشرسة أنشئت فيها غرف عمليات متعددة من أجل قلب النظام.

وهذا الفشل أعطى موقع قدمٍ لإيران لم تكن لتحلم به في بلاد الشام. إضافة إلى ذلك، أدى التغيير الأميركي لنظام صدام حسين باحتلال العراق عام 2003 ومحاولة «داعش» السيطرة على بلاد الرافدين عام 2016 إلى اتساع نفوذ إيران ليمتدّ من فلسطين إلى لبنان فسورية والعراق ليحطّ رحاله في اليمن.

هذه الأحداث سمحتْ بتَعاظُم وتَمَدُّد نفوذ إيران وإيجاد قواعد ثابتة في سورية، على عكس ما توقعتْه أميركا على لسان جنرالها ويسلي كلارك، قائد القوات الأميركية (سينتكوم) حينها، من أن أميركا خططت لاحتلال سبع دول، من ضمنها إيران بعد الانتهاء من العراق وسورية ولبنان.

ولم تؤدّ آلاف الغارات الإسرائيلية على سورية لطرد القوات الإيرانية ونفوذها، كما صرّحت تل أبيب تكراراً، بل على العكس، فقد فُتحت الأبواب للنفوذ الإيراني ليقوي الأمن القومي السوري ويلتحم معه في جبهة موحدة ذات مشترَكات متعدّدة وأهداف متقاربة.

واستطاعت إيران إيجاد جبهة كبيرة متصلة ببعضها البعض تحوط بإسرائيل، من فلسطين إلى لبنان وسورية والعراق واليمن، وتلامس الحدود الأردنية. إذ أعلنت إسرائيل عزمها إنشاء سياج حديدي بطول الحدود مع فلسطين البالغة 238 كيلومتراً لمنع تهريب السلاح إلى الفلسطينيين المصمّمين على تحرير أراضيهم بالقوة بعد فشل اتفاق أوسلو - كما أعلن نتنياهو - ورفض إسرائيل قرارات الأمم المتحدة بإنشاء دولة فلسطينية.

هذا التعنت الإسرائيلي يقوي موقف إيران التي تعتبر أن فلسطين هي قضيتها المركزية والقضية الأمّ التي تعطيها الحق في دعم الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، كما ينصّ عليه ميثاق الأمم المتحدة.

لذلك قدمت طهران، الدعم للتنظيمات الفلسطينية ونقلت الخبرات والأسلحة التي تستفيد منها المقاومة في المواجهات الأخيرة داخل فلسطين وكذلك تقدّم الدعمَ المادي بأشكال مختلفة.

ولذلك اتجهت إسرائيل لضرب الأهداف الإيرانية والسورية داخل سورية، كردٍّ على الهجمات المتكررة التي تعتبرها تل أبيب مؤلمة جداً على أمل إيجاد توازن ردع يمنع طهران من الاستمرار في دعم الفلسطينيين.

وهذا ما دفع القيادة الايرانية لنقل تحصيناتها وقواعدها في سورية من فوق الأرض إلى تحتها، لمنْع إسرائيل من ضربها وتقليل الأضرار على الأسلحة النوعية والقدرات العسكرية المتقدّمة التي تتلقّاها سورية من إيران.

وتقول مصادر قيادية مسؤولة في دمشق، إن إسرائيل كانت في أكثر الأحيان تضرب أهدافاً غير مؤثّرة أو تذكيرية. إلا أنها استطاعت تدمير نحو 10 في المئة من الإمكانات الإيرانية من محروقات وآليات ومخازن أخرى وإمكانات عسكرية قدّمتها طهران لدمشق.

وتمكّنت إيران من تزويد الجيش السوري بقدرات متقدّمة تفضّل القيادة السورية عدم إظهارها إلى حين تصل لمستوى التمكين الكامل الذي تستطيع من خلاله تقوية الجبهة الداخلية أولاً ورفْع المستوى الاقتصادي لدرجةٍ تزيل المعاناة عن الشعب السوري الذي ينوء تحت عقوبات قاسية، قبل التوجه لمجابهة الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة.

وهذا لا ينفي أن إسرائيل استطاعت قتْل العشرات من أفراد الجيش السوري المولجين بحماية المراكز المستهدَفة.

وقد حاول بعض الوسطاء في الشرق الأوسط، التدخل والطلب من إيران وقْف دعمها للعمليات الفلسطينية مقابل توقف إسرائيل عن ضرب أهداف داخل سورية.

إلا أن طهران رفضت الفكرة وأي تَفاوُض على حساب قضية دعم المقاومة الفلسطينية، وأكدت ضرورة الحفاظ على نوعية هذا الدعم وتكثيف الضربات داخل فلسطين ودعم القضية إلى حين تحرير الأرض بما يتناسب مع أهداف الفلسطينيين.

كما أكدت للوسيط أنها غير مخوَّلة التفاوض عن الفلسطينيين ولا السوريين، ولن تتنازل عن حقوق الشعبين ما داما يطلبان الدعم.

وتُشير المصادر المسؤولة القريبة من القيادة العليا في سورية، إلى ان «إيران تتحضّر لضربة تهتزّ لها إسرائيل وان مسار العمليات وضربات الذئاب المنفردة لن يتوقف وان مسألة دعم الفلسطينيين بالسلاح جارية على قدم وساق وسورية تدعم ذلك بكل قوة».

وتالياً من المتوقع أن تستمر إسرائيل بضرب أهداف داخل سورية، وألا تتوقف إيران عن تزويد الفلسطينيين بما يحتاجونه للصمود وأن تقدّم دمشق القاعدة اللازمة لتدفُّق الدعم للفلسطينيين.

إنها الحرب غير المعلَنة والمستمرة منذ أعوام، إلا أن وتيرتها ازدادت ولم تعد إسرائيل تضرب سورية لمنْع انتشار النفوذ الإيراني أو قواعده، بل في محاولةٍ فاشلة لإيجاد «معادلة الردع» التي رفضتْها إيران وترفضها القيادة السورية.

وستبقى الحرب مشرَّعة الأبواب من دون أي أفقٍ لتَوَقُّفِها إلى حين استقرار الأمن والاقتصاد السوري الذي تقف إسرائيل كحجر عثرة في طريقه من خلال حلفائها الأميركيين وحلف «الناتو» المنتشرين في الشمال السوري.

وبالتالي، فإن عدم انسحاب أميركا وحلفائها من سورية - التي لا تشكل أي إفادة لـ «الناتو» ولا للولايات المتحدة - هو مطلب إسرائيلي، أملاً في إخضاع سورية وفرض الشروط عليها للتوصل إلى مكتسبات لم تُحقّقها حرب الأعوام الـ 12.

لكن يبدو أن هذا التمني لم يعد واقعاً، من دون أن يدفع ذلك إلى مغادرة القوات الغربية عن سورية، وفي ذلك ما يعطي دمشق تأكيداً إضافياً لضرورة المحافظة على النفوذ الإيراني وإبقاء الصراع مع إسرائيل مستعراً.