بعد ثمانية أعوام على القمع المتصاعد لـ «جبهة النصرة» والتي أعلنت قيام «دولتها» في مدينة إدلب عام 2015، لم تضعف عزيمة النساء وقدرتهن على الصمود بوجه الانتهاكات من قتل واعتقال وتعذيب واغتصاب، بل زدن تمسكاً بحقهن في الحياة والعمل والتعليم.
وكان جهاز الأمن العام التابع لـ «هيئة تحرير الشام» («النصرة» سابقاً) شن حملة اعتقالات الخميس الماضي طالت ستة معلمين بينهم معلمة بتهمة إعطاء دروس مختلطة لطلبة الثالث الإعدادي في منازلهم.
وبحسب مصادر إعلامية، فإن المعلمين نقلوا إلى مقر 107 التابع لجهاز الأمن العام للتحقيق.
جاء ذلك بعد أيام على قرار وزارة التربية والتعليم في «حكومة الإنقاذ» الجناح السياسي لـ «هيئة تحرير الشام»، بفصل الذكور عن الإناث وفرض ارتداء اللباس الشرعي على المدارس الخاصة في إدلب.
كما أكدت مصادر محلية من داخل إدلب لـ «العربية.نت»، حصول انتهاكات للهيئة واعتقالها بشكل دوري مدنيين ومدرسين ومدرسات وطلبة من الجنسين، مضيفة أن الهيئة ارتكبت منذ بداية حكمها لإدلب أنماطاً مختلفة لانتهاكات حقوق الإنسان لاسيما في مراكز الاحتجاز السيئة الصيت الخاصة بها.
سجون مكتظة
بدأ زعيم «هيئة تحرير الشام» محمد الجولاني، حكمه في إدلب بسلسلة اعتقالات لم يسلم منها حتى الحوامل، وتعرضت الأماكن التي تعمل بها النساء كورش الخياطة والمشغولات اليدوية ومقرات الإذاعات المحلية والمؤسسات الخدمية الخاصة بالسيدات، لاقتحامات مستمرة، وفق ما كشفه «لؤي عرمون»، الاسم المستعار لناشط إعلامي من إدلب.
وقال لـ «العربية.نت»، إن «سجون الجولاني مكتظة بمئات المغيبين من دون محاكمات كما أن قبضته الأمنية تطول النساء من دون رحمة وغالبيتهن يتعرضن لصنوف التعذيب المختلفة، أما الرافضات لحكمه فيتهمن بممارسة الدعارة ويتعرضن للإعدام بالرصاص وسجلت عشرات حالات قتل النساء بتلك الوحشية».
بيع «سبايا»
وأشار «لؤي» إلى انتشار وارتفاع أعداد مراكز الاحتجاز التي غالبيتها تكون مخفية وسرية ومن يدخلها نادراً ما يخرج منها على قيد الحياة، ومنها سجن «عقاب الأثري» في جبل الزاوية الذي يتوسط منطقتي كفر نبل والبارة.
وأضاف أن «العديد ممن تعتبرهم الجبهة مناهضين لحكمها يتعرضون لسطوة التعذيب من دون رحمة وغالبية من يفرج عنهم، يخرجون إما فاقدي الذاكرة وإما مصابين بأمراض نفسية وجسدية خطيرة».
وأوضح أن بعض السجون تضم، بحسب ما أفصح سجناء خرجوا وهاجروا إلى الخارج، «سبايا إيزيديات ومسيحيات وعشرات النساء الكرديات خصوصاً من عفرين» يتم بيعهن لاحقاً.
وأكدت ذلك الناجية الإيزيدية شريهان رشو، والتي بيعت في مدينة الرقة لتجار الرقيق من «هيئة تحرير الشام» في مدينة إدلب.
«باعوني لمقاتل»
وقالت لـ «العربية.نت»: «في 2017 وقبل تحرير الرقة بأشهر باعني مالكي لأبي عبدالله الداغستاني وأبي خالد العراقي، وهما من تجار السبايا في إدلب قدما إلى الرقة واشترياني واقتاداني إلى إدلب حيث أودعت في سجن تحت الأرض قرابة شهر، واكتشفت أنه سوق تباع فيه النساء من الديانات الأخرى وكنت واحدة منهن تم بيعي لمقاتل في النصرة سوري الجنسية وينحدر من إدلب مقابل آلاف الدولارات وحين انتقلت لمنزله سمح لي بالبحث عن عائلتي عبر صفحات التواصل الاجتماعي بهدف ابتزازهم مادياً، وبالفعل عثرت على شقيقي الذي كلف أحد المهربين بتهريبي، وجاء بي إلى أقرب حاجز لمجلس منبج العسكري، وهم بدورهم سلموني لعائلتي في سنوني بشنكال».
نساء يقدن الحراك
رغم كل تلك الانتهاكات لا تزال التظاهرات تخرج حتى اليوم في مناطق إدلب وريفها ضد ممارسات هذا الفصيل، بحسب ما أكد أبوعمر الإدلبي، قائد «لواء الشمال الديموقراطي» المنضوي تحت مظلة «قوات سورية الديموقراطية» (قسد) والذي ينحدر مقاتلوه من محافظة إدلب.
وأكد أن النساء هن من يقدنَ الحراك ضد ممارسات الهيئة، ونهجها المتطرف، رغم ازدياد حالات الاعتقال والقمع والتعذيب في سجونها وأشار لـ «العربية نت»، إلى حملات اعتقال يشنها الجهاز العام للهيئة بحجج واهية، ومنها الاختلاط.
اعتبر أن «النصرة وداعش هما وجهان لعملة واحدة».
على غرار «طالبان»
من جهته، أوضح الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية أحمد سلطان، لـ «العربية.نت»، أن «هيئة تحرير الشام عبارة عن كيان براغماتي للغاية يعمل من أجل مصالحه ويضم مكوناً متطرفاً كبيراً، وقد أقامت الهيئة حكومة أو نظاماً شبه جهادي في الشمال السوري، وهي ترسل رسائل لأنصارها وأتباعها أنها لن تتخلى عن المنهج في ظل وجود انتقادات سواء المستقلين أو المنشقين عنها».
وفي ما يتعلق بالمقاربة بين حركة «طالبان» والهيئة، أوضح الباحث المصري أن «طالبان حركة جهادية ذات جذور قبلية عكس الهيئة التي لا تمتلك جذوراً حقيقية حتى وإن نجحت في إقامة صلات مع بعض العشائر في الشمال السوري».
وحول بعض أوجه التشابه بين الحركتين في ما يخص النساء، أكد سلطان أن «التنظيمين يحاولان فرض قيود صارمة على النساء كاللباس الشرعي مثلاً والإعدامات»، موضحاً أن «طالبان وهيئة تحرير الشام تتبنيان نهج الجهاد المحلي أو القُطري الذي لا يهدف إلى التمدد خارج المناطق التي ينشط فيها عكس داعش والقاعدة، بل يركز على المناطق التي يتواجد فيها معتبراً غايته إقامة نظام أو حكم في داخل مناطق سيطرته».
يذكر أن آخر تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، أكد ارتكاب الهيئة انتهاكات واسعة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، ولاسيما مراكز الاحتجاز.
ووثقت مقتل ما لا يقل عن 500 مدني، بينهم 71 طفلاً و77 امرأة إلى جانب فقدان 28 محتجزا لحياتهم تحت التعذيب.