ذكرت نتائج خَلُصَت إليها لجنة متابعة شؤون النشر التابعة للمجلس الأعلى للثقافة في مصر، ذكرت قبل أكثر من عقد من الزمن أن العالم العربي يقف في ذيل قائمة الأمم القارئة، ذلك أن متوسط معدل القراءة فيه لا يتعدى ربع صفحة للفرد سنوياً، بينما جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الأولى.

ووفقاً لدراسة لجنة «الكتاب والنشر» فإن العالم العربي ينشر ألفاً و650 كتاباً سنوياً بينما تنشر الولايات المتحدة وحدها 85 ألف كتاب سنوياً، والدراسة التي قامت بها اللجنة تطابقت مع نتائج مماثلة خلصت إليها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) عام 2014 والتي أوضحت بدورها أن نصيب كل مليون عربي لا يتجاوز ثلاثين كتاباً، مقابل 854 كتاباً لكل مليون أوروبي، أي أن معدل قراءة الشخص العربي ربع صفحة في السنة مقابل معدل قراءة كبير للفرد الأميركي الذي يصل إلى 11 كتاباً في العام الواحد.

هذه المعلومة وغيرها الكثير مرت علينا جميعا منذ عقود طويلة وتناولها بالطرح والنقاش آلاف من المثقفين العرب منذ بداية القرن الماضي حتى أصبحت من المعلومات التي يحفظها المواطن العربي بكل درجاته الثقافية ويستخدمها للسخرية من الذات والإمعان في الماشوسية (حب تعذيب النفس).

القراءة حبّ وتدريب، والذين لم يتدربوا على القراءة في الصغر نادراً ما ينجحون في تدريب أنفسهم عليها في الكبر، إذاً القراءة مهارة يكتسبها الأطفال ليستفيدوا منها وهم كبار.

قبل ستين عاماً كان أطفال العرب يعانون من نسبة أمية عالية، وصعوبة في وصول الكتاب ومع ذلك كله فإن نسبة القراءة بينهم كانت أعلى بكثير من نسبة القراءة بين أطفال اليوم، على الرغم من تناقص نسبة الأمية لاسيما في دول الخليج وسهولة الحصول على الكتاب.

لم ينجح المثقفون العرب طوال مئة عام في إقناع أصحاب القرار بتبني خطة تشجع القراءة لدى أطفال العرب، لم ينجحوا لسبب بسيط، وهو وجود فجوة كبيرة بين أصحاب القرار والمثقفين، حتى اشتهر عند أصحاب القرار لدينا قولهم عن المثقفين: شاوروهم وخالفوهم.

حصص القراءة الحرّة في 90 في المئة من المدارس توقفت وتم إهمال 95 في المئة من المكتبات في مدارس العرب، أما المدارس الأجنبية فوضعها أسوأ، فهي تشجّع القراءة ولكن بلغات أجنبية وثقافة غربية فتُعلّم أطفالنا ثقافة أخرى لنجد الطفل العربي حين يكبر يعيش بيننا ولكنه جسم غريب، وقد يُهاجم الثقافة الإسلامية والعربية كما نراه اليوم وهو بهذا ينشر داخلنا مرض الاغتراب وهو أخطر الأمراض التي تصيب الأمم.

إن أحفادنا اليوم يعيشون في داخل بيئة صعبة، فلم نكتفِ بعدم تشجيع أطفالنا على القراءة بلغتهم وتحبيب ثقافتنا لهم بل إننا نشجعهم على تعطيل مراكز الفكر والذكاء لديهم وذلك بتشجيعهم، عن جهل في كثير من الأحيان، تشجيعهم للجلوس أمام وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج الشبكة العنكبوتية لساعات طويلة، وهذه هي الطامة الجديدة.

في دراسة علمية لجامعة ميتشيغن في الولايات المتحدة شملت 1300 طفل لقياس التحصيل العلمي وعلاقته بالجلوس أمام التلفزيون، استنتج الباحثون وحذروا من وجود علاقة إحصائية بين عدد ساعات مشاهدة التلفزيون عند الأطفال وتدنّي تحصيلهم العلمي وكسبهم للقواعد الاجتماعية الضارة، كما أوضحت الدراسة أن فترة الطفولة المبكرة هي فترة مهمّة لنمو الدماغ ونشأة السلوك لدى الأطفال وبالتالي لابد من استغلالها بالشكل الأمثل.

وما زال الأميركان يشتكون من جلوس أطفالهم ساعتين يومياً أمام التلفزيون ويقدمون الدراسات لعدم تجاوز هذه المدة ويشجعون على تقليصها، أما لدينا فقد أظهرت دراسة ميدانية قام بها المستشار الاجتماعي طاهر النجيدي على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي أن 90 في المئة من أطفالنا بين سن الثالثة إلى السابعة يجلسون أمام شاشات التواصل والألعاب بين 5 إلى 6 ساعات يومياً، ماذا يعني ذلك؟، يعني ببساطة نشر معادلة التخلف بين أجيالنا القادمة،فمعادلة التخلف هي:عدم القراءة + الجلوس ساعات للتسلية أمام الشاشات الصغيرة والكبيرة = جيل قادم أكثر تخلفاً، وأكثر اعتماداً على الآخرين مع عدم القدرة على المحافظة على نعم الله علينا.

بحوث تُنشر وأقلامٌ تكتب وأفواهٌ تصرخ وتُحذّر واصحاب القرار لا يتحركون، كل جهود التنمية لا قيمة لها إذا لم نتصدَ لمعادلة التخلف، لكن من يُقنع أصحاب القرار؟ سؤالٌ طال انتظار إجابته.