مع تسارع خُطى التاريخ ها نحن اليوم ننتقل إلى المصير بمثل السرعة التي انتقلنا بها من مواضي الإنسانية جميعاً إلى وجهتها المحتومة اليوم، وينتقل معنا آلاف المتسائلين الحائرين...

إنّ العلماء المختصين والعاقلين ليسوا أسعد حظاً من الجهلاء ولا من الحمقى لأنهم من جملة الحائرين، فما مصير الإنسانية، وإلى أين نسير؟

فكلما حدث حادث في الشرق أو الغرب عاد السؤال نفسه المحيّر، ما مصيرنا اليوم؟ وما مصير العالم بأسره؟ فهل ستنفجر براكين الحرب العالمية الثالثة أو الرابعة؟ وإذا انفجرت هذه البراكين فهل سيكون السلاح القذائف العنقودية؟ أو الكيماوية؟ أو الجرثومية؟ وإذا انطلقت الصواريخ من قواعدها العنكبوتية حول العالم فما النتيجة في المنهزمين، وما النتيجة بالنسبة للمنتصرين؟ بل ما هي النتيجة بالنسبة إلى سائر الأمم التي لا تحسب مع هؤلاء ولا مع أولئك؟ وهل سيكون فعلاً هناك منتصر ومهزوم؟ وهل سيبقى في الحضارة الغربية بقية تساوي ثمن النصر وتكافئ وبال الهزيمة وخسارة أرواح المدنيين؟ ويحق لدوائر الرصد ومراكز الأبحاث العالمية والحكماء من كل أمة أن يحار في العاقبة، وأن يفزع من المصير الذي نُساق إليه سوقاً حثيثاً اليوم؟ فمن المتفق عليه أن قذيفة (هيروشيما) تعد اليوم سلاحاً مأموناً بالقياس إلى أسلحة الدمار الشامل المجهزة للاستعمال في الوقت الحاضر... ومن المتفق عليه أيضاً أن أخطار القذيفة الجهنمية لا تنحصر في موضعها ولا في بلد المقصودين بها لأنها ترسل في الفضاء ذرات من الغبار الإشعاعي لتحملها تيارات الهواء ثم تنحدر إلى الأرض غباراً صاعقاً لا يُبقي ولا يذر، فهي لوّاحة للبشر!

وبعد جائحة «كورونا»، بدأت المختبرات بالفعل تجارب على مدار الساعة في مجال متسع متجدد للاختراع في سبيل خراب ودمار البشرية، وأن استخدام عناصر توليد الطاقة الذرية قد يتيسّر لأمم كثيرة ولن يكون استخدام هذه الطاقة مقصوراً على عنصرين أو ثلاثة، ويومئذ تقل التكاليف وتتسع ميادينها وتتفاقم أقطارها... فما مصير الإنسانية مع هذه النذر والأراجيف؟ والحقيقة الماثلة للعيان اليوم أنه لا فائدة تذكر من منع السلاح في النظام العالمي الجديد المفتوح! بل الفائدة كلها معلقة - في رأي الخبراء - على منع الحرب بأنواعها أو منع الحرب العالمية بكل وسيلة متاحة في القانون!

فهل يمكن منع الحرب العالمية؟ وهل في استطاعتنا؟ إنّ سوابق الدول الكبرى في الحروب لا تبشّر بالخير، في المقابل هناك دول كبرى مازالت تستذكر وتقدّر خسارة المنتصرين في الحروب واضطرارها إلى معونة المنهزمين والمنكوبين في عالم متشابك متضامن لا ينفرد فيه بالضرر صاحب قوة أو صاحب مال وسلاح في ظل اقتصاد عالمي متهالك! فلماذا الإصرار على السير إلى حافة الهاوية؟!

وهذه تصريحات روسيا وأوكرانيا وأميركا من جهة، والأوروبيين من جهة أخرى وساسة الدول كالصين وكوريا الشمالية من جهة ثالثة، يدفعون بالأمم إلى الانتحار إذا أقدموا على توجيه صواريخهم إلى بعضهم البعض واستخدموا فيها القذائف ذات الدمار الشامل، ومتى استطاع قادة الأمم أن يدفعوا جيوشهم إلى الانتحار فهم والشعوب التي تطيعهم أهلٌ للهلاك والدمار. فهذه البشاعة المفرطة لا تمنع شيئاً أن يقع إذا كان وقوعه من الممكنات وكل ما تبقى لدينا من أسباب الطمأنينة أن نقارن بين مصيرين أيهما أقرب إلى الإمكان مصير الإنسانية إلى الانتحار، أو مصيرها إلى التغلب على قوة السلاح بقوة الحكمة في بعض القادة والزعماء اليوم ومنهم قادة دول مجلس التعاون الخليجي، (قارن بين توصيات القمم الخليجية وتوصيات قمم الأوروبيين) وقوة القيم والأخلاق مجتمعين التي استوطنت جزيرة العرب وها هي اليوم توجه بوصلة العالم بعد متاهاتها!

ومن حسن الرجاء وتمام التقدير معاً أن نرجح المصير المأمون على المصير المحذور... لأن الإسلام يأمرنا بالجد والعمل والتفاؤل دائماً ويحذّرنا من التخاذل والكسل والتشاؤم أبداً.

والحقيقة هي أن المادة الصماء لن تخلق إنساناً عصرياً ولا بشراً سوياً لأن الشيء لا يخلق ما هو أحسن منه وأكمل... وعليه فلنعد إذاً إلى التاريخ الإنساني ونستجلي حقيقة طريق الإنسانية الحالية «إنّا نحنُ نرثُ الأرضَ ومَن عليها وإلينا يُرجعون»، وفي هذا الطريق يستطيع العقل وقبله الشرع أن يأخذ بزمام المادة ويقودها لمصالح البشر لا أن تأخذه المادة لإبادة البشر!

فالدنيا وما فيها من أولها إلى آخرها ستذهب عن أهلها ويذهبون عنها إلى خالقهم الواحد الأحد.