«... تحسبهم جميعاً وقُلوبُهم شتّى ذلك بأنّهم قومٌ لا يعقلون» سورة الحشر (14).

منذ يناير الماضي وحتى يومنا الحاضر تعمّ المظاهرات العارمة شوارع الكيان الصهيوني تندّد بنية حكومة الإرهابي نتنياهو نزع صلاحية المحكمة العليا ووضعها بيد الحكومة في محاولة منه لإلغاء تهم الفساد واستغلاله السلطة لأغراضه الشخصية الموجّهة إليه من قِبل القضاء الصهيوني، ولتجاوز الإجراءات البيروقراطية للمحكمة رغم أحكامها العنصرية والتعسفية التي تكرّس سياسة الاحتلال في فلسطين.

يرى المتظاهرون الصهاينة أن التصويت على مقترحات نتنياهو يهدّد ديموقراطية كيانهم ويمهد لحرب أهلية بين فئاته وتعرض أمنه واستقراره للخطر، وقد ظهرت تجليات هذه الانشقاقات بعد إقرار التعديل الأول في الكنيست الصهيوني حيث هدّد آلاف جنود الاحتياط وما يزيد على ألف من ضباط القوة الجوية بالامتناع عن الخدمة في حال تمرير مشروع التعديل، كما قام موظفو الخدمات الطبية بتنفيذ إضرابهم عن العمل الثلاثاء من شهر يوليو الفائت احتجاجاً على تمرير المشروع.

لا يمكن أن يستوعب المرء أن هذه المظاهرات للحفاظ على ديموقراطية كيان قام على قتل وترهيب وتشريد سكان آمنين خارج وطنهم ثم اضطهاد وقمع من بقي منهم تحت الاحتلال وفق سياسة عنصرية استيطانية مقننة، لا تختلف عن سياسة دولة جنوب أفريقيا العنصرية التي لم يكتب لها البقاء كدولة منبوذة رغم أن عنصريتها أقل حدّة من عنصرية الكيان الصهيوني ذات الطابع الإرهابي والأيديولوجي، ومن المعلوم أنه لا يمكن الجمع بين الديموقراطية والعنصرية القائمة على الاستيطان القسري ثم التباهي بالصفة الديموقراطية.

مظاهرات المجتمع الصهيوني فريدة وغير مسبوقة في تاريخ كيانه، وقد كشفت عن حدة الانشقاقات الموجودة في داخله بين الليبراليين والعلمانيين من جهة والمتدينين الإرهابيين الذين يسيطرون على الحكومة والبرلمان من جهة أخرى، وهو ما يؤكد أن الساسة المتدينين يحظون بتأييد من غالبية الصهاينة وأن الليبرايين أو العلمانيين مهمّشين ليس لهم تأثير في الكيان الصهيوني الذي يمارس الخداع فيدعي أنه ذو توجهات ليبرالية أو علمانية أمام دول العالم.

ناهيك عن الكراهية المتجذرة منذ قيام الكيان الصهيوني بين أكبر طائفتين فيه هما طائفة الأشكيناز، الصهاينة الغربيين أصحاب النفوذ والمال وطائفة السفارديم، الصهاينة الشرقيين الأقل نفوذاً ومستوى معيشي مع اختلاف ثقافاتهما وأصولهما، يضاف إليهما طائفة اليهود الفلاشا الذين جيء بهم من إثيوبيا أخيراً ويعاملون كطبقة دنيا محتقرة.

وكما يرى د.عبدالوهاب المسيري، رحمه الله، مؤلف «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية» من أن بقاء الكيان الصهيوني موقت ويخضع لعوامل خارجية هما الدعم اللا محدود من الولايات المتحدة وضعف العرب.