منذ 02 /08 /1990 حتى 02 /08 /2023، إنها ثلاثة وثلاثون عاماً مضت على ذكرى الغزو الغاشم لبلدنا الحبيب الكويت... إنها ثلاثة وثلاثون عاماً، عمر من الأعمار، بعمر جيل من الأجيال، كأنها سنوات طويلة ورقم كبير، ولكنها لعمري هي ليست كذلك في عمر الأوطان والشعوب، خصوصاً الأوطان والشعوب التي سطر التاريخ أمجادها وحفرت اسمها بين الشعوب التي تستحق الحياة.

إنها ثلاثة وثلاثون عاماً مضت وربما مضت معها بعض الذكريات لبعض الوقت، ولكن ولعمري لن تمضي كل ذكرياتها كل الوقت، كيف تمضي ونحن نردد ونفعّل بكل قناعة عبارة «لن ننسى»... ولمن تزعجهم هذه العبارة، ويزعجهم مضمونها نقول لهم إن عبارة «لن ننسى» لهي أكبر مما تعتقدون... وهي أبلغ مما تتصورون، وهي أشمل مما تتوهمون، وهي أبعد مما تذهبون، وهي أقرب إلينا مما تصلون، بل هي أوجب مما تظنون.

إن من يريدون لنا أن ننسى غزو بلادنا، وما فيه من أحداث وعبر، بدعوى العلاقات الواجبة بين الدول، خصوصاً المتجاورة منها،

والمصالح السياسية وغيرها لبلدنا الحبيب، ووجوب التعامل مع الواقع السياسي المفروض، إنما ينظرون بعين واحدة للأسف، وربما نسوا أو تناسوا أننا أول من يدعو لتغليب مصالح بلادنا العليا، السياسية والأمنية والاقتصادية وغيرها على ما سواها، وأن دعوانا بعدم نسيان ما حدث، لا تعني رفضنا لإقامة علاقة جوار مبنية على الاحترام المتبادل لاستقلال وسيادة كلا البلدين المتجاورين، ولكن عندما نقول «لن ننسى»، فنحن لن ننسى معنى الغدر وقسوته، خصوصاً عندما يكون من جار وقريب.

ولن ننسى من وقف ضد حقوقنا المشروعة وساند الظلم، ولن ننسى مواجهة جيشنا الباسل ورجاله الشجعان، وهو الذي لم يكن مستعداً لتلك المواجهة، لفلول العدو الغازي، لن ننسى طيراننا ونسوره الذين دمروا ما واجهوه من قوات العدو.

لن ننسى المعاني الرائعة التي تجسدت أثناء هذا الغزو، والتي نأمل ونتمنى ونعمل دائماً على عدم نسيانها، بل وترسيخها في أذهان شعبنا جيلاً بعد جيل، والتي لا يتسع أي مقال لسردها أو حصرها، لن ننسى تكاتف الكويتيين وتعاضدهم وتكافلهم ضد الاحتلال... لن ننسى الرجلين الشيخين الجليلين (بابا جابر وبابا سعد) رحمهما الله، وما بذلاه في إدارة الأزمة حتى تحقق النصر... لن ننسى المقاومة المسلحة لأبناء شعبنا ومن ساندهم من الشرفاء العرب وغيرهم أمام قوات الاحتلال الظالمة... لن ننسى العصيان المدني الذي نفذه أهل الكويت من الصامدين أمام أوامر المحتلين... لن ننسى ما قام به الصامدون من أعمال بشتى أنواعها، لتحفيز بعضهم البعض في الصمود والمقاومة... لن ننسى شهداءنا الأبرار ودماءهم الزكية التي قدموها فداء لهذا البلد، وسيرهم في هذا المجال خير دليل على ذلك، والتي لا يتسع المجال لشرحها.

لن ننسى وحدتنا الوطنية التي لطالما تغنينا بها قبل الاحتلال وبعده، وقد تجسدت على أرض الواقع بأزهى صورها، ولمن أراد أن يتأكد، فلن يستغرق منه ذلك سوى المرور وبسرعة على أسماء أسرانا وشهدائنا الأبرار، ليرى حجم التنوع في الأسماء بين سائر فئات المجتمع بلا استثناء.

لن ننسى جهود من خرج من أهل الكويت مع من بقي في الداخل، في نشر القضية وتوضيح عدالتها، وحشد الرأي العام الدولي لتأييد الحكم الكويتي الواضح.

لن ننسى جهود الديبلوماسية الكويتية وما حققته من نجاحات إقليمية ودولية، أثمرت إصدار مجلس الأمن الدولي للقرارات المتعلقة بالغزو العراقي على دولة الكويت، وحماية حقوق أسرى الكويت وشهدائها، وحقوقها الأخرى كترسيم الحدود والتعويضات، وحماية الأرشيف الوطني وغيرها، وما كان لهذه القرارات من آثار قوية وملموسة ساهمت في حماية الحق الكويتي المشروع والتأييد الدولي الكبير لهذا الحق، مستذكرين جهود عميد الديبلوماسية الدولية المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، عليه رحمة الله تعالى.

لذلك وغير ذلك الكثير، فإننا نقول دائماً إننا لن ننسى، وستظل العِبر والمواعظ التي أوجدها الغزو ثابتة في عقولنا وقلوبنا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولِمَ لا ونحن نرى الشعوب العريقة صاحبة الأمجاد الخالدة، لم تبن هذه الأمجاد إلا بتقديم التضحيات والأثمان النفيسة والتي كانت حافزاً لهم في الوقوف مرة أخرى أقوى، مما كانوا عليه والشواهد على ذلك كثيرة ومتنوعة.

ورسالتنا نحن العاملون والناشطون والمهتمون بهذه القضية، هي هذا الشعار، وما يحمله ويتضمنه من معانٍ رفيعة وقيم سامية، نرجو ونعمل لأن تكون راسخة في وجدان هذا الشعب الكريم.

سنستمر في نشر أسماء وصور شهدائنا الأبرار في أي مناسبة، وأي محفل نصل إليه، سنستمر في نشر سير هؤلاء الشهداء... سنستمر في المطالبة بتخليد أسمائهم، سنستمر في المطالبة بتدريس سيرهم، سنستمر في المطالبة بتكريمهم وتكريم أهاليهم، سنستمر في نشر بطولاتهم خارج الكويت من خلال المؤتمرات والمنتديات واللقاءات والاتحادات القارية والدولية المعنية، سنستغل أي وسيلة إعلامية أو غيرها في سبيل ذلك، لأنهم وبكل بساطة هم المكون الأساسي من مكونات شعبنا العزيز، ولأنهم صفحة ناصعة البياض في تاريخ الكويت المعاصر، ولأنهم الرافد الأهم في الحديث عن بطولات الكويتيين ومحبتهم لأرضهم الطاهرة، ولأنهم عنوان النقاء والصفاء لمجتمعنا الكويتي الحبيب، ولأنهم رمز وحدتنا الوطنية، ودليل تكاتف وتعاضد هذا المجتمع الصغير بحجمه الكبير بأفعاله.

فليعلم أبناء الشعب الكويتي وجيل ما بعد الغزو خصوصاً، والذين بلغوا هذا العام سن الثالثة والثلاثين... فليعلم هؤلاء هذه التضحيات العظيمة، وليتعرفوا على الأسماء ويحفظوها ليتيقنوا بأن الكويت بإذن الله بخير دائماً وأبداً، وبأن شعبها سيبقى رمزاً للفداء والتضحية، ونموذجاً أمثل للوطنية، ومضرباً للأمثال بين الشعوب الأخرى، وبأن تاريخها كتب ولا يزال يكتب بأحرف من نور، بفضل أبنائها البررة الذين أحبتهم فأحبوها، وأعطتهم فأعطوها حتى امتزج الدم بالتراب، ليروي لنا قصة جيل رسم لنا طريق الحرية والاستقلال، فهل نبخل عليهم بشيء من التخليد؟

ولا يسعنا نهاية... إلا أن ندعو الله عز وجل أن يديم نعمة الأمن والأمان والاستقرار والازدهار على بلدنا الحبيب، تحت قيادة والدنا صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح وسمو ولي عهده الأمين الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حفظهما الله ورعاهما.

راجين من شعبنا الكويتي الوفي، أن يتأمل كثيراً في أحداث الغزو ما بين 2 /8 /1990 وحتى 26 /2 /1991، مستلهماً العِبر الرائعة والمعاني الخالدة التي سطرت مع هذا الحدث العصيب على أن يكون التفاؤل دائماً أمام أعيننا، مؤكداً للجميع أن وطنيته متجذرة منذ القدم وتضحياته مستمرة استمرار الزمن، وأن وحدتنا الوطنية، والتي هي شعارنا الأهم قد طبقناه وما زلنا قولاً وعملاً، وأن سفينة الخير الكويتية تبحرُ بثقة وصمود بمجاديف متنوعة لا غنى لكل منها عن الآخر وتحركها سواعد رجال ونساء هذا الوطن العزيز.

حفظ الله الكويت من كل مكروه، ورحم الله شهداءنا الأبرار.

• رئيس مجلس إدارة جمعية أهالي الشهداء الأسرى والمفقودين الكويتية