«أنا أصبحت الموت، مدمّر العوالم». أوبنهايمر

أثناء الحرب العالمية الثانية، خشي الحلفاء إقدام العلماء الألمان على إنتاج قنابل نووية تحسم الحرب لصالحهم. ألّح أينشتاين في رسالته إلى الرئيس روزوفلت على الاستعجال في إنتاج قنابل نووية قبل فوات الأوان، الأمر الذي أصاب الرئيس بالهلع ودفعه إلى المبادرة بتشكيل فريق عمل عرف بـ«مشروع منهاتن» ترأس وحدة البحث والتصميم فيه عالم الفيزياء أوبنهايمر، واستطاع مع فريقه إنتاج قنبلة نووية تم تفجيرها في صحراء نيو مكسيكو في يوليو عام 1945.

كان مشهد الانفجار مروعاً تجاوز حدود الخيال، ما دفع أوبنهايمر إلى التعبير عنه بقوله «أنا أصبحت الموت، مدمر العوالم»، وهي عبارة من الثقافة الهندوسية التي كان متأثراً بها مع كونه يهودياً لكنه بعيد عن تعاليم اليهودية ولا يمارس شعائرها. في عهد الرئيس ترومان ألقيت قنبلتان ذريتان على اليابان في أغسطس 1945، الأولى على مدينة هيروشيما وتبعتها الثانية على مدينة نجازاكي أنهيتا الحرب العالمية الثانية باستسلام اليابان في وقت خارت قوى الألمان العسكرية ومنّيوا بهزائم متتالية.

انتقد أوبنهايمر إلقاء القنبلة الذرية الثانية على أساس أنه لا حاجة إلى إلقائها، وانتابه شعور بالذنب من الأعداد الكبيرة من اليابانيين المدنيين الذين سقطوا ضحايا القنبلتين والدمار الشامل الذي حل بالمدينتين. ومع أن الأميركان برروا جريمتهم الفظيعة بأنها أوقفت الحرب وحفظت أرواح الكثير من جنودهم وجنود الحلفاء إلا أن أوبنهايمر لم يقتنع بذلك واعتبر القنبلة الذرية وسيلة للقضاء على البشر في المستقبل ودعا إلى حظر إنتاج السلاح النووي، وتعرّض إلى الإهانة من الرئيس ترومان عندما صرّح للرئيس بأن يديه ملطخة بالدماء.

كما لم يسلم أوبنهايمر من اتهامه بعضوية منظمة شيوعية من قِبل لجنة مكارثي التي كانت تلاحق المشتبه بهم من الشيوعيين الأميركيين، وكان مراقباً من المباحث الأميركية.

ورغم دعوته إلى حظر انتشار الأسلحة النووية إلا أنه زار الكيان الصهيوني والتقى بن غوريون الذي امتدحه بقوله «أنت رجل مضاء بشرارة يهودية»، حيث نصح بن غوريون بإنشاء محطة طاقة نووية لمواجهة الخطر العربي والروسي! الأمر الذي دفع بن غوريون إلى وضع خطة عشرية لتطوير برنامج نووي لكيانه، ومنح أوبنهايمر عضوية فخرية في معهد وايزمان للعلوم كما منح عضوية مجلس محافظيه.

يعتبر فيلم أوبنهايمر، الذي يعرض حالياً في دور السينما محاولة لرد الاعتبار لشخصيته الغامضة المتناقضة التي تدور حولها الشبهات. رشح أوبنهايمر لجائزة نوبل لكنه لم يفز بها رغم عبقريته العلمية، ربما لكونه مهندس أداة موت تهدد البشرية، وهذا ما يتعارض مع أهداف الجائزة السلمية. وعلى النقيض فقد حاز الشاعر جرير على جائزة عبدالملك بن مروان في بيت شعر له يصف نفسه بالموت هزم فيه منافسيه الشاعرين الفرزدق والأخطل:

أنا الموت الذي آتي عليكم... وليس لهارب منه نجاء

مع فارق الموت الرهيب الذي أودعه أوبنهايمر في القمقم، والموت الرمزي الذي تغنى به جرير.

بعد الحرب اكتشف الحلفاء أن برنامج هتلر النووي كان متواضعاً جداً وأبعد ما يكون عن إنتاج سلاح نووي!