{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}

في اليوم العاشر من شهر المحرّم سنة 61 هـ، حدثت ملحمة كبرى دارت رحاها على أرض كربلاء، استشهد فيها الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) سبط رسول الله، وسيد شباب أهل الجنة، وريحانة النبي الأكرم، قتل الحسين مع ابنيه علي الأكبر وعبدالله الرضيع، وكذلك إخوته وبنو إخوته، وأبناء عمومته من بني هاشم، وعصبة من أصحابه...

بالفعل هو يوم حزين وذكرى مُؤلمة على قلوب المسلمين، لشدة الظلم والتعدي اللذين وقعا على الحسين وأهل بيته ومن معه من أصحابه.

عن النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله وسلم،:

(الحسن والحسين ابناي، من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبه أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار).

«إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً»، كما وصف سبطه بـ«قتيل العَبْرة... الذي لا يذكره مؤمن إلّا بكى».

قال الإمام الحسين (ع) لأهل بيته وأصحابه في الليلة الأخيرة:

(أُثني على الله تبارك وتعالى أحسن الثناء، وأحمدهُ على السّراء والضّراء، اللهمّ إنّي أحمَدُك على أن أكرمتنا بالنبوّة، وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدةً، فاجعلنا من الشاكرين.

ألا وإني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حل، ليس عليكم مني ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعاً خيراً وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم، فإن القوم إنما يطلبوني ولو أصابوني لَهوا عن طلب غيري).

فكان ردهم على الإمام الحسين، أسمى مراتب الإيمان، والإرادة على نيل أعلى درجات الشهادة، وبقيت كلماتهم خالدة سجّلها لهم التاريخ بأحرف من نور على جبين الدهر، تتناقلها الأجيال من جيل إلى جيل، ورسّخت نموذجاً عالياً من التضحية والفداء وعنواناً لكل ثائر مصلح.

وفي صبيحة يوم عاشوراء قرّر الإمام إلقاء الحجّة على المعتدين فقال:

(أما بعد فانسبوني، فانظروا من أنا، ثم راجعوا أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن (بنت) نبيكم، وابن وصيه وابن عمه، وأول مؤمن مصدق لرسول الله بما جاء به من عند ربه؟ أو ليس حمزة سيد الشهداء عمي؟ أو ليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي؟ أو لم يبلغكم ما قال رسول الله لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟ فإن صدقتموني بما أقول وهو الحقّ والله ما تعمّدت كذباً منذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله، وإن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبدالله الأنصاري، وأبا سعيد الخدري، وسهل بن سعد الساعدي، والبراء بن عازب، أو زيد بن أرقم أو أنس بن مالك، يخبرونكم أنهم سمعوا ذلك من رسول الله لي ولأخي...)

(عاشوراء يوم حزنٍ وعزاء)

تعدّ هذه الجريمة من أكبر المصائب التي وقعت على آل بيت الرسول الأكرم، بدأت بالحصار الجائر إلى المنع من شرب الماء إلى الجريمة الكبرى، قتل آل رسول الله متناسين وصية النبي الأكرم:

﴿قُلْ لا أسْألُكم عَلَيْهِ أجْرًا إلّا المَوَدَّةَ في القُرْبى﴾

لم يكتفوا بقتل الحسين وأهل بيته وأصحابه، بل تلاه رضّ جسده الطاهر بحوافر الخيل، والتمثيل بالأجساد الطاهرة، وجز الرؤوس، وترويع النساء والأطفال، وجرى في هذا اليوم الانتهاكات وهتك الحرمات، وحرق الخيام، وسِيق ركبُ النساء واليتامى أسارى إلى الكوفة ومنها إلى الشام، يتقدمهم رأس الحسين، عليه السلام، ورؤوس الشهداء مرفوعة على الرماح، واقعة هي من أشد الحوادث المأسوية في التاريخ.

دَمْعٌ يَنِزّ بِمَقْلِه تَبْكِي الَّذِي فِي يَوْم مَوْلِده الرَّسُول بَكاه

قَتَلُوه فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَلَمْ يَرَوْا فِي ناظريه شَقَاء مَنْ عَادَاهُ

قال الإمام زين العابدين (عليه السلام):

«أنا ابنُ المقتولِ ظُلماً، أنا ابنُ المَحزوزِ الرأسِ من القفا، أنا ابنُ العطشان حتى قضى...»

قال الإمام الرضا (عليه السلام):

«إنْ كنتَ باكياً لشيءٍ فابكِ للحسين بن عليٍّ (عليه السلام ) فإنَّه ذُبح كما يُذبَح الكبش».

لَمْ يُذْبَحِ الكَبْشُ حتّى يُرْوَى مِنْ ظَمَأٍ وَيُذْبَحُ ابنُ رسولِ اللهِ ظَمْآنا

الحسين عِبْرة

فالحسين عِبرة لكل مَن ذكرَ مصابه فتهون عليه مصيبته فيصبر، ففي شدة الموقف لم يترك الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه النجباء الصلاة وتلاوة القرآن والدعاء، قاموا الليل كلّه يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرّعون...«وبات الحسين (ع) وأصحابه تلك الليلة، ليلة العاشر من المحرم، ولهم دوي كدوي النحل، ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد».

ورسخت في ذاكرة التاريخ معاني كثيرة، الثقة بالله عز وجل ومعاني الوفاء وتحمل البلاء والصبر على الظلم.

الحسين عَبْرة

والحسين عبْرة لمن أراد أن يعيش حرّاً عزيز النفس، لا يحيد عن الحق ولا يميل إلى الباطل.

«إِنَّ لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ حَرَارَةً فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَبْرُدُ أَبَداً»

الامام الحسين عليه السلام«قَتِيلُ كُلِّ عَبْرَةٍ»

«لَا يَذْكُرُهُ مُؤْمِنٌ إِلَّا بَكَي»

«تبكيك عيني لا لأجل مثوبةً لكنما عيني لأجلك باكية»

قَالَ الإمام الرضا (عليه السَّلام):

«إِنَّ المحرم شَهْرٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ فِيهِ الْقِتَالَ! فَاسْتُحِلَّتْ فِيهِ دِمَاؤُنَا، وَهُتِكَتْ فِيهِ حُرْمَتُنَا، وسُبِيَ فِيهِ ذَرَارِيُّنَا وَنِسَاؤُنَا، وَأُضْرِمَتِ النِّيرَانُ فِي مَضَارِبِنَا، وَانْتُهِبَ مَا فِيهَا مِنْ ثِقْلِنَا، وَلَمْ تُرْعَ لرسول الله حُرْمَةٌ فِي أَمْرِنَا.

إِنَّ يَوْمَ الحسين أَقْرَحَ جُفُونَنَا، وَأَسْبَلَ دُمُوعَنَا، وَأَذَلَّ عَزِيزَنَا بِأَرْضِ كَرْبٍ وَبَلَاءٍ، أَوْرَثَتْنَا الْكَرْبَ وَالْبَلَاءَ إِلَى يَوْمِ الِانْقِضَاءِ.

فَعَلَى مِثْلِ الْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَ».

وكاد أن ينقطع نسل الرسول إلا أن الله عز وجل كتب النجاة للإمام علي بن الحسين (زين العابدين) عليه السلام، ليستمر نسلُ النبوة إلى يوم يبعثون.

ثلة من بنو هاشم والأصحاب لا يتجاوز عددهم الـ 100 فرد في مواجهة جيش نظامي جرار بالآلاف؟

قال الإمام الحسين (ع):

(لا أعلم أصحاباً أوفى وخيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خير الجزاء).

وبقلوب ملؤها الحزن والأسى ننعى ونعزي أنفسنا وأنفسكم والعالم أجمع بهذا المصاب الجلل، استشهاد الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه في واقعة الطف الأليمة، يوم العاشر من المحرم (عاشوراء الخالدة).

عظّم الله أجورنا وأجوركم بمصاب أبي عبدالله الحسين (ع).

السَّلامُ عَلَيْكَ يا أبا عَبْدِاللهِ وَعَلَى الأرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ، عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ أبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ، السَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى أوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلى أصْحابِ الْحُسَيْنِ.