حدّد برنامج عمل الحكومة عدداً من التحدّيات أمام الاستدامة المالية للدولة، كالاعتماد على النفط مصدراً أساسيّاً للدخل، وانخفاض التصنيف الائتمانيّ، وارتفاع الطلب على بعض الخدمات الحكوميّة، وانخفاض جودتها كالخدمات الصحيّة، وكشف البرنامج نية الحكومة مراجعة تسعير الرسوم العامّة وفرض ضريبة على أرباح الشركات لمواجهة هذه التحديات، ومن المتوقع أن يتضمن برنامج عمل الحكومة الجديدة، اللجوء إلى الضرائب والرسوم بعدّها حلولاً لتنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط.

في هذه المقالة نقاش للأدوات القانونيّة اللازمة لإقرار الضرائب والرسوم العامّة، والمعوقات والقيود والضوابط القانونيّة الواجب مراعاتها عند فرض الضرائب والرسوم العامّة.

الأداة القانونيّة لفرض الضرائب والرسوم

تنص المادة 134 من الدستور على أنّ «إنشاء الضرائب العامة وتعديلها وإلغاءها لا يكون إلا بقانون. ولا يعفى أحد من أدائها كلها أو بعضها في غير الأحوال المبينة بالقانون. ولا يجوز تكليف أحد بأداء غير ذلك من الضرائب والرسوم والتكاليف إلا في حدود القانون».

يتبيّن من النص الدستوريّ أنّ الأداة القانونية المطلوبة لفرض الضريبة العامة تختلف عنها لفرض الرسوم، فنجد أنّ الضريبة - هي مبلغ من النقود يفرض جبريّاً يتحمله دافع الضريبة بصورة نهائية غير قابلة للاسترجاع، ويقوم بدفعه بلا مقابل للدولة - لا تفرض إلا بقانون؛ فيجب أن يوافق مجلس الأمة على إقرار ضرائب على الدخل أو القيمة المضافة أو الانتقائية، أمّا الرسم العام - هو مبلغ من النقود تحصل عليه الدولة مقابل ما تقدمه من خدمات - فيفرض بقرار إداريّ، إلا أنّ هذا القرار يجب أن يستند على قانون؛ وهو ما يعني أن يكون هناك قانون يفوض جهة إداريّة صراحة بإصدار قرارات إداريّة تفرض رسوماً مقابل ما تقدّمه من خدمات.

فعلى سبيل المثال نجد أنّ قانون حماية البيئة 42 /2014 وتعديلاته، رخّص للهيئة العامة للبيئة صراحة فرض رسوم مقابل الخدمات التي تقدّمها للغير، ويعتبر هذا القانون هو الأساس القانونيّ الذي تستند عليه القرارات الإداريّة الصادرة من الهيئة بتحديد قيمة الرسوم العامّة.

تختص المحكمة الدستوريّة بالرقابة على الأداة القانونيّة التي استخدمت لإقرار الضرائب والرسوم في الكويت.

القيود القانونيّة على الرسوم

تستخدم الرسوم لأغراض ماليّة لتغطية جزء من تكاليف الخدمات الحكوميّة المقدّمة، كما أنّ لها أهدافاً غير ماليّة، منها استخدام الرسوم وسيلة لتنظيم الطلب على الخدمات الحكوميّة بما يتوافق مع مبدأ حسن إدارة المرفق، ونتناول القيود القانونيّة الواجب مراعاتها عند فرض الرسوم، وأهمها:

1 - الرسوم تفرض بقرارات إداريّة، لكن يجب أن يأذن القانون للإدارة بفرضها.

2 - حظر الدستور فرض رسوم على خدمة التعليم.

3 - يقيد القانون 79/ 1995 في شأن الرسوم والتكاليف العامة مقابل الانتفاع بالمرافق والخدمات العامة - من حق الدولة في فرض الرسوم.

4 - الرسوم يجب ألا تتجاوز تكلفة الخدمات الحكوميّة المقدّمة، وإلا تحولت ضريبة ووجب فرضها بقانون.

لماذا التشدد بالأداة القانونية؟

سبب التشدّد بالأداة القانونيّة المطلوبة لفرض الضريبة، وهي القانون، فيما الرسوم تفرض بقرار إداريّ، أنّ الرسوم العامّة تفرض مقابل ما يستفيد منه دافع الرسم من خدمات تقدّمها إدارة، وبالتالي هناك فائدة شخصية ومباشرة تعود على دافع الرسم، أمّا الضريبة فتفرض دون مقابل محدّد من سلع وخدمات، وتفرض أصلاً لتمويل الإنفاق العام على الخدمات التعليميّة والصحيّة وبناء الطرق العامة وإقامة المشاريع الحيويّة، فعلى عكس الرسوم نجد أنّ الضريبة لا تعود على دافعها بخدمة شخصية ومباشرة، إلا أنّ الفرد يستفيد استفادة غير مباشرة بسبب تحسن جودة الخدمات الحكوميّة.

المقدرة التكليفيّة

الضريبة هي مساهمة ماليّة من الشعب لتمويل الخزانة العامّة، ويفترض أن يتحملها كلّ فرد وفق قدرته على الدفع، أو ما يسميه المتخصصون بالماليّة العامّة المقدرة التكليفيّة، وتعني ببساطة أنّ على الغني أن يساهم بتمويل الخزانة العامّة من خلال دفع ضريبة أكبر من التي يدفعها محدود الدخل والذي يمكن أن يعفى من دفع الضريبة كليّاً.

تقييد الحق بفرض الرسوم

بالإضافة للقيد القانونيّ المتمثل بالأداة القانونية اللازمة لفرض الرسوم، هناك قيود مهمة أخرى تقيّد حق الإدارة بفرض الرسوم، أوّلها: ليس كل الخدمات ممكن فرض رسوم مقابل الحصول عليها، تحديداً خدمات التعليم، فقد نص الدستور في المادة 40 على إلزامية التعليم ومجانيته، وتشمل مجانية التعليم المرحلة الابتدائية والمتوسطة، لذا لا يجوز فرض رسوم مقابل خدمة التعليم في هذه المراحل، بل إنّ المذكرة التفسيريّة للدستور شجعت على أن تمتد مجانية التعليم لكل المراحل التعليميّة.

لا رسوم على الخدمات الحكومية

إضافة إلى ذلك يقيد القانون 79/ 1995، حق الحكومة في شأن الرسوم والتكاليف العامة مقابل الانتفاع بالمرافق والخدمات العامّة، فلا تزيد الرسوم التي تقدّمها الوزارات عن قيمتها وقت صدور القانون، إلا بموجب قانون من مجلس الأمة، أي أنّ جميع الرسوم المفروضة مقابل التمتع بالخدمات الحكوميّة وقت صدور القانون المشار إليه لا يجوز زيادة قيمتها، أمّا الخدمات الجديدة التي تقدّمها الوزارة بعد صدور القانون، فيمكن فرض رسوم عليها وزيادة قيمتها دون تقييدها بالقانون المذكور، كما لا يخضع للحظر الوارد بالقانون ما يدفع من الأفراد مقابل الخدمات التي تقدّمها الهيئات والمؤسسات العامة فيجوز فرض تكاليف ماليّة مقابل الاستمتاع بالخدمات المقدّمة من الهيئات وزيادتها وذلك لأنّ القانون استثناها صراحة من القيد الوارد على الوزارات.

الدولة... ليست تاجراً

أخيراً؛ يؤكد فقهاء القانون الماليّ أن الرسوم لا يجوز أن تتجاوز قيمتها تكلفة الخدمات الحكوميّة، فالدولة ليست تاجراً ولا يجوز أن تسعى للربح عند تحديد قيمة الرسوم، بالتالي يجب أن تلتزم بتحديد قيمة الرسوم وفقاً لقيمة تكلفتها والمتمثلة بما تنفقه الدولة من نفقات تشغيل المرافق العامّة وصيانتها، لذا فالمبالغة بتحديد قيمة الرسوم عبر القرارات الإداريّة بشكل لا يتوافق مع تكلفتها، يحول طبيعتها من رسوم إلى ضريبة والتي تستلزم صدور قانون من مجلس الأمة.

ضوابط فرض الضريبة

لا تنطبق على الضريبة أيّ من القيود المفروضة على الرسوم، لكن يجب أن تصدر بقانون من مجلس الأمّة أيّاً كان نوع الضريبة المفروضة. وشجع الدستور على العدالة الضريبيّة من خلال:

- فرض ضريبة أعلى على أصحاب الدخل العالي من أصحاب الدخول المتوسطة والمحدودة.

- يشجع الدستور تحديداً في المادة 24 على العدالة الاجتماعية باعتبارها أساس الضرائب.

- كما شجعت المادة 48 على إعفاء أصحاب الدخول الصغيرة من الضرائب.

لذا ينبغي عند تحديد نوع الضريبة والفئات المفروض عليها الضريبة ومعدلها، مراعاة اعتبارات العدالة الضريبية.

إيجابيات الخيارين وسلبياتهما

هل الأفضل اللجوء للضريبة أم الرسم؟ بعلم الماليّة العامة لا يوجد حلّ مثاليّ، فكل مقترح له مزايا وعيوب، ولا يسعنا في هذه المقالة أن نبين جميع إيجابيات اللجوء للضريبة والرسوم وسلبياتها وكيفية معالجتها، إلا أن هناك نقطتين في غاية الأهمية يجب الإشارة لهما وهما عامل الوقت وتحقيق العدالة الاجتماعية عند فرض الرسوم والضرائب.

الرسوم... أسرع

إنّ سرعة تطبيق الحلول المقترحة تعدّ خطوةً مهمةً في دولة كالكويت، تعتمد على الإيرادات النفطيّة التي قد تنخفض انخفاضاً حادّاً ومفاجئاً، لذا تكون هناك حاجة لتطبيق حلول سريعة، زيادة الرسوم خيار سهل التطبيق على عدّة أصعدة؛ فمن جانب نجد أنّ الوزارات والهيئات تستطيع فرض الرسوم بقرار منها - وذلك بفرض وجود قانون يخولها صراحة حق فرض الرسوم- لذا فكلّ ما تحتاجه الجهة الحكومية هي تقدير تكلفة الخدمة المقدّمة للجمهور وفرضها بقرار إداري، ولا تحتاج الإدارات ولا المستفيدون من الخدمات فترة استعداد طويلة أو تحضير قبل فرض الرسوم، على العكس من ذلك نجد أنّ الضريبة تفرض بقانون، وهو ما يجب أن يمر بإجراءات تستمر لفترة زمنية طويلة، قبل إقراره وبعد إقراره من مجلس الأمة، فنجد أنّ القوانين بشكل عام سواء كانت ضريبية أو غير ضريبية تحتاج دراسة من الحكومة ولجان المجلس، قبل أن تُناقش في المجلس ويُصوت عليها، كما أنّ القوانين الضريبية يصعب تطبيقها فور إقرارها من البرلمان فيحتاج المتعاملون مع الإدارة الضريبية فترة زمنية طويلة، تختلف باختلاف نوع القانون الضريبيّ، للاستعداد والامتثال لواجباتهم الضريبية، فعلى سبيل المثال أثبتت التجارب الدولية أنّ ضريبة القيمة المضافة تحتاج فترة زمنية تتراوح بين 12 و16 شهراً بعد صدور القانون لتطبيقها.

الضرائب أكثر عدالة

إن كانت الرسوم أسهل في فرضها من الضرائب، فالضرائب أكثر قدرة على تحديد العدالة الاجتماعية، فالرسوم عند تصميمها لا تؤخذ الحالة المادية لدافعها في عين الاعتبار، فكل من يتمتع بالخدمة يدفع ذات الرسم دون النظر إلى دخله فهي قاعدة عامّة، بالتالي فرض الرسوم على الخدمات الأساسيّة كالخدمات المرتبطة بالكهرباء والماء والخدمات الصحيّة واستخدام الطرق يؤثر تأثيراً سلبيّاً ومباشراً على محدودي الدخل، أمّا الضريبة فهي ترتبط بقدرة الشخص الماديّة ويمكن تصميم النظام الضريبيّ بحيث يتحمل عبأه الأكبر الأغنياء، من خلال فرض ضريبة انتقائيّة على السلع الكماليّة وفرض ضريبة دخل على أصحاب الدخول العالية المحصلة من ممارسة النشاط التجاريّ.

* أستاذ الماليّة العامّة والقانون الضريبيّ المساعد في كلية الحقوق بجامعة الكويت