أنهت روسيا، فجأة، أمس، اتفاقية تصدير الحبوب، حتى قبل نهاية مهلتها الرسمية منتصف ليل - الاثنين بتوقيت إسطنبول (21.00 ت غ)، وذلك غداة هجوم ليلي أوكراني، بطائرات مسيرة، استهدف جسر شبه جزيرة القرم الإستراتيجي، ولكن من دون أن تربط بينهما مباشرة.
وغداة قرار موسكو، قفزت العقود الآجلة الأميركية للقمح في الأسواق العالمية، مسجلة أعلى مستوياتها منذ نهاية يونيو الماضي. كما قفزت أسعار العقود الآجلة للذرة وفول الصويا، بينما انتقدت الدول الغربية «الابتزاز» الروسي، ورأت أن مئات الملايين في العالم «سيدفعون الثمن».
وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف «للأسف، لم يتم تنفيذ الجزء المتعلق بروسيا في اتفاق البحر الأسود حتى الآن، لذلك فقد انتهى».
وأكدت الناطقة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا «فقط عندما نتلقى نتائج ملموسة، وليس وعوداً وتأكيدات، ستكون روسيا مستعدة للنظر في إعادة الاتفاق».
وفي رسالة إلى المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة، أعلنت موسكو، أن انسحابها يعني «إلغاء ضمانات سلامة الملاحة» في شمال غربي البحر الأسود.
في المقابل، أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أنه يجب القيام بكل شيء ممكن حتى يستمر استخدام ممر تصدير الحبوب عبر البحر الأسود.
من جانبه، أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ثقته برغبة الرئيس فلاديمير بوتين في استمرار اتفاقية تصدير الحبوب، مضيفاً أنه سيناقش الأمر حين يلتقيه شخصياً في أغسطس المقبل.
واعتبرت واشنطن، انسحاب موسكو من اتفاق تصدير الحبوب «عملاً وحشياً، سيؤدي إلى تدهور الأمن الغذائي ويضر بالملايين».
واتهمت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد موسكو بـ «احتجاز الإنسانية رهينة».
وشدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، على أن «مئات ملايين الأشخاص يواجهون الجوع، (فيما) المستهلكون يواجهون أزمة عالمية لكلفة الحياة. سيدفعون الثمن»، معتبراً أن القرار الروسي «يشكل ضربة لمن هم في حاجة في كل أنحاء العالم».
ودعت ألمانيا، روسيا إلى تمديد العمل بالاتفاقية، مؤكدة أهميتها للأمن الغذائي العالمي.
وأعربت لندن عن خيبة أملها إزاء الإعلان الروسي، مؤكدة «لكننا سنواصل المحادثات»، بينما دانت باريس القرار، وطالبت موسكو بـ «وقف ابتزازها للأمن الغذائي العالمي».
ووصفت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون ديرلايين، القرار الروسي بأنه «خطوة أنانية».
استهداف جسر القرم
من ناحية ثانية، وعد بوتين بـ «الرد» على الهجوم الأوكراني الذي استهدف جسر القرم للمرة الثانية ملحقاً به أضراراً، علماً بأنه وسيلة نقل استراتيجية تربط شبه الجزيرة التي ضمتها موسكو بالأراضي الروسية.
وأشار بيسكوف، إلى أن «الكرملين يعلم جيداً أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة يقدمان معلومات استخباراتية لأوكرانيا، لكنّ هذا ليس سبباً لقطع العلاقات الديبلوماسية معهما بعد الهجوم على الجسر».
وأكد «في أكثر الأوقات الحرجة هذه، نحتاج لقنوات للحوار».
في السياق، توعد نائب رئيس مجلس الأمن القومي ديمتري ميدفيديف، بتفجير منازل القادة الأوكرانيين.
واعتبر ان «من الضروري تفجير منازلهم ومنازل أقاربهم. ابحثوا عن المتواطئين معهم وقوموا بالقضاء عليهم، وتخلوا عن الفكرة البذيئة لمحاكمة ضدهم».
وتابع: «لكن الشيء الرئيسي هو تدمير القيادة العليا للتشكيلات الإرهابية».
وتعرّض جسر القرم، الذي يعدّ خط إمداد رئيسياً للقوات الروسية في أوكرانيا، لهجوم ليل الأحد - الاثنين، باستخدام «مسيّرات بحرية».
وأفاد مصدر في أجهزة الأمن الأوكرانية (اس بي يو) لـ«فرانس برس»، بأن الهجوم «هو عملية خاصة لجهاز اس بي يو والبحرية».
وأكدت لجنة التحقيق الروسية في بيان، «مقتل مدنيين هما رجل وامرأة في سيارة سياحية على الجسر»، مشيرة أيضاً إلى أن ابنتهما أصيبت بجروح.
وأضافت الهيئة المكلفة القضايا الإجرامية الرئيسية «حدد التحقيق ضلوع عناصر من أجهزة الاستخبارات وتشكيلات مسلحة في الإعداد لهذه الجريمة وتنفيذها»، معلنة فتح تحقيق بارتكاب «عمل إرهابي».
وبثت محطة «القرم-24» العامة مقطعاً مصوراً يظهر انهيار منطقة من الجزء الطرقي من الجسر.
ونشرت هيئة التحقيق أيضاً مقطعاً مصوراً يظهر رجالاً يرفعون أدلة عن الطريق.
وأدى الهجوم إلى تضرر الجزء الطُرُقي وتعليق الحركة لساعات، بينما لم يعانِ الجزء المخصص للسكك الحديد لأضرار. واستؤنفت الحركة قبل ظهر أمس، على ما ذكرت سلطات القرم.
تُراجع شركات التأمين ما إذا كانت ستوقف تغطيتها التأمينية للسفن التي ترغب في الإبحار إلى أوكرانيا، بعدما علّقت روسيا مشاركتها في اتفاق تصدير الحبوب.
وقال كريستيان فينثر كريستنسن، كبير مسؤولي العمليات في مجموعة الشحن الدنماركية (نوردن)، لـ «رويترز»، أمس، «بسبب انهيار اتفاق ممر البحر الأسود، سيحجم معظم مالكي السفن الآن عن طلب الدخول للموانئ الأوكرانية».
وصرح مصدر في صناعة التأمين، بان «السؤال (الرئيسي) هو ما إذا كانت روسيا تزرع ألغاماً في المنطقة وهو ما سيوقف فعلياً أي شكل من أشكال التغطية المقدمة».
ووضعت سوق «لويدز أوف لندن» لخدمات التأمين بالفعل منطقة البحر الأسود على قائمتها للمناطق عالية الخطورة.