يتمتع الإنسان بقدرات ذهنية عديدة؛ كالذاكرة والذكاء والإبداع والتركيز، وتتفاوت نسبة تلك القدرات بين الناس، ومنها عمليتا الذكاء والذاكرة اللتان يستخدمهما كل من الرجل والمرأة، فكل منهما يستخدم العمليتين؛ إلا أنهما يختلفان من حيث النسبة؛ فالمرأة هي الأعلى ذكاءً، والرجل هو الأسرع تذكّراً؛ وهو ما أثبته علماء الأعصاب، ولا يعني ذلك أن أحدهما أفضل من الآخر بل كلاهما يكمّل الآخر، والقاعدة الأساسية للدماغ أو العقل هي الاستخدام أو الإهمال، فيمكن تطوير تلك المهارات بتمرين العقل.
وهي اكتشافات علمية من الغرب، والأصل أنها ثابتة من قرون في نصوص شرعية شملت تلك العلوم والاكتشافات، ولكننا لم نستوعبها؛ لأن كثيراً من الحافظين أو القارئين للنصوص ينقلونها لنا بصورة مبتورة لا تبين المعنى كاملاً؛ فلا يبحثون في كلماتها، ولا يتفكرون بما فيها من أسرار لغوية وعلمية، فصارت نصوصاً للحفظ بلا فهم، مثل نقصان العقل والدين عند المرأة، الذي يُعتبر قضية تحتاج التعمق في معانيها؛ فهي ليست مجرد ثلاث كلمات - ناقصات عقل ودين - نمر عليها ونظن أنها تقليل من شأن النساء وإنما هي إثبات لذكائها؛ عندما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «يا معشر النساء ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لِلُب -عقل- الرجل الحازم من إحداكن، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصلِ ولم تصم؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها».
الحديث الشريف يحمل قضية علمية وهي تركيبة الدماغ ونسبة الذاكرة والذكاء عند الرجل والمرأة، وهما من أهم مسؤوليات الدماغ وليس الدماغ كله... فيجب التوسع في شرح الحديث؛ فهو حديث يقوله رسولنا الكريم تَعجباً من قُدرة المرأة على الذهاب بعقل الرجل والسيطرة عليه لما تميزت به وهو الذكاء، ولَمّا أشار إلى نقصان العقل بيّن أن شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل، أي الذاكرة، وذلك عند قوله تعالى: (فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) من الآية: (ِوَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) البقرة/282، فهو من باب التذكير، والذاكرة إحدى عمليات العقل وليست كل عملياته؛ ولا يعني نقصان العقل أنه لا وجود له، ولا تعني مسح الذاكرة، بل نسبة منها؛ فالحديث الشريف بيّن قوة ذكاء المرأة التي غلبت بها عقل الرجل، وأما الذاكرة فإنها أقوى عند الرجل، وكلاهما يمتلك الفكر الذي يمكن أن يبدع فيه، وأكبر دليل على رفعة المرأة هو جَمْع الإسلام بين الذكور والإناث في حمل الأمانة.
بينما الحاصل أن بعض الخطباء أو الدعاة يقلل من شأن المرأة عندما يعرض في خطبه ومجالسه ثلاث كلمات من الحديث: «ناقصات عقل ودين»، ولا يكمل الحديث الشريف، وهو الذي انتشر بين الناس، حتى اعتقدوا أنه لا عقل لها أصلاً، ووصل الأمر إلى تشبيهها بالسفيه والمعتوه!! وللأسف الشديد أن المفهوم الخاطئ، والتشبيهات السيئة نسمعها ونقرأها ممن يُطلق عليه كلمة علّامة، وتسمعه يقول في خطبته: (المرأة ناقصة عقلٍ ودين، لا عقل لها، ولا دين لها، فهي بحاجة إلى من يقوم عليها، مثل السفيه مثل المعتوه الذي إذا تُرك لأهلكَ نفسه، وضيّع ماله، وضيّع دينه) فقد اعتبرها جسداً بلا عقل! وجعل معنى النقصان عدم وجود العقل أصلاً! فهل مَن تُربي وتَتَعلّم وتُعلم وتفكر هي مخلوقة لا عقل لها!؟ المرأة مؤهلة لكل عمل ومنصب، ولو كانت بلا قدرات فكرية لَمَا رأينا النجاح والإبداع ووصول الكثيرات إلى مناصب عالية، وأما نقصان الدين هو انقطاع المرأة عن بعض العبادات في أيام، بِأمْر من الله تعالى لطبيعتها وخلقتها وليس تقصيراً منها، فقولهم: لا دين لها هو طعن في دينها، فإن كانت المرأة لا عقل لها ولا دين فما الحكمة من وجودها في الحياة؟!
وآخر القول... مَن عاش في بيئة من عاداتها احتقار المرأة، وظل على أفكاره البدائية التي تناقض العلم الأفضل له الانسحاب من ساحة التعليم، فشرع الله تعالى يرفع المرأة، ومن أهان المرأة فقد خالف الشرع، وشوّه صورة الدين بأفكاره المشينة.
aalsenan@hotmail.com
aaalsenan @