عندما نشر تشارلز داروين، كتابه «أصل الأنواع» عام 1866م، وبشّر فيه أن البقاء للأقوى، أخذت بقية العلوم منهجيته وخرجت بمجموعة أخرى من التصنيفات مثل «البقاء للأصلح»، ثم البقاء للأسرع وصولاً إلى التعديل الأخير الذي جعله «البقاء للجيد بما يكفي»... ولكن بمجرد أن تقرأ تقرير أهداف التنمية المستدامة لسنة 2022، والذي نشرته الأمم المتحدة أخيراً، ستعرف وتتأكد أن البقاء لله وحده.

«في الوقت الذي يواجه العالم أزمات وصراعات عالمية متعاقبة ومترابطة، نجد أن التطلعات الواردة في خطة التنمية المستدامة لعام 2030 معرّضة للخطر»... هكذا عزيزي القارئ يبدأ تقرير التنمية المستدامة 2022م من الأمم المتحدة تصديره بهذه المقدمة البكائية الغارقة في التكرار منذ عشرة أعوام وإلى الآن.

مقدمة تخبرنا أن أهداف التنمية المستدامة فشلت مقدماً.

ويُعزي التقرير أسباب فشل أهداف التنمية المستدامة إلى الحروب الموجودة والقائمة، «وقد ذكر الحرب على أوكرانيا أكثر من ألف مرة»، بينما ذكرنا نحن «كعرب» ربع هذا العدد، رغم أننا أصحاب الدول التي تنتج اللاجئين بالجملة، وبالتأكيد لم ينس التقرير ذكر جائحة كوفيد-19 وتداعياتها، وحالات الطوارئ المناخية، وأزمة الغذاء والطاقة، وتعطل العديد من الخدمات الصحية الأساسية، وتخلف أكثر من 147 مليون طفل عن مقاعد الدراسة، واشتداد الوباء الصامت المتمثل في العنف الأسري.

كذلك، توقف الانتعاش الاقتصادي بسبب التعطل الكبير في سلاسل التوريد، والديون العميقة وغير المستدامة للدول... يتحدث التقرير عن أكبر عدد من الصراعات منذ إنشاء الأمم المتحدة، لدرجة أنه يعيش 2 مليار شخص اليوم في بلدان متأثرة بالصراعات.

بعد قراءة التقرير عزيزي القارئ، ستكتشف أنك أنهيت للتو ملحمة رثائية وبكائية في التبشير بموت أهداف التنمية المستدامة، وأن البشرية تعيش على أعصابها وتحتاج للمهدئات، وأن سراديب العزاء قد أُقيمت من الآن ولا داعي لانتظار 2030م، وهذا يعني أن أكبر منظمة عالمية في التخطيط والتنسيق والمتابعة «الأمم المتحدة» قد فشلت فشلاً ذريعاً في مواجهة النفس البشرية، وأن الرواتب المدفوعة - على حساب الدول المانحة - لموظفي المكاتب الإنمائية والمديرين الإقليميين والخبراء، لو كانت دفعت للدول التي فشلت فيها التنمية لكان أفضل لهم، وأنه للمرة والواحدة بعد الألف يجد المستضعفون أنفسهم في مواجهة العالم وحدهم. وأن كل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

moh1alatwan@