لا تزال المرأة في بلدي تعاني من التحرش الجنسي سواء اللفظي أو الجسدي، والخوف من العار واللوم وعدم وجود وسيلة مناسبة للتحدث عن المعاناة طوال السنوات الماضية زاد الأمر سوءاً، حتى وصل لمرحلة خطيرة، لم تعد المرأة تشعر بالأمان حتى أنها صارت تكره الخروج من البيت، كما أن فرصة تعرضها للخطر الجسدي زادت، فبعضهن فقدن حياتهن أو تعرضن لإصابات بالغة جراء التحرشات التي تحدث في الشوارع، وأخريات فقدن حرياتهن، والكثير من الأضرار النفسية والجسدية الأخرى.
اليوم صارت المرأة تتكلّم، مع وجود وسائل متعددة مثل وسائل التواصل الاجتماعي، يمكنها أن تتكلم عن معاناتها ولو تحت اسم وهمي، وأخريات بأسمائهن وصورهن كل واحدة تتحدث بالطريقة التي تناسب ظروفها، يمكنها اليوم عبر الهاتف التقاط فيديو أو صورة ونشرها بأي طريقة، لكن حتى مع صوتها العالي، تواجه النساء اليوم اللوم والاستخفاف من آلامها بطرق متعددة.
قبل عدة أيام نشرت إحداهن معاناتها مع التحرش في الأماكن العامة عبر تغريدة في تويتر، انتشرت التغريدة، وتعرضت لهجوم، تخيل أن تتحدث عن معاناتك كأن تتحدث عن اكتئابك أو عن مرضك ويأتي أحدهم ويستخف بألمك، غريب أليس كذلك؟ هذا ما يحدث للنساء، عندما تتحدث إحداهن عن الأضرار النفسية التي تشعر بها بسبب التحرش، كانت الردود منها الاستخفاف من معاناتها، التهجم والسخرية من مظهرها الخارجي، وبعضهم يعتقد بأن أي امرأة تتحدث عن التحرش علناً يعني أنها تريد أن تخبر الجميع بأنها مرغوبة وهي تشعر بالنقص وأحدهم قال: «مريضة»!
التحرش جريمة، يعاقب عليها القانون في جميع أنحاء دول العالم، والمتحرش يحبس خلف القضبان، ليس هناك امرأة تفتخر بالاعتداء عليها لفظياً أو جسدياً ومن يعتقد ذلك فهو مجرم متخفٍ، فمن يعتقد بأن الجريمة تسعد المجني عليه فهو ذو عقلية إجرامية، التحرش ليس جائزة أو مدح أو لطافة مهما حاولوا التبرير، يبقى التحرش جريمة والمتحرش مجرم، ولا أي شيء يبرر للمتحرش، حتى لو كان مظهر المرأة الخارجي كما يدعون، بأن لباس المرأة هو سبب التحرش، هل يمكن أن نقول إن المقتول هو الذي جعل القاتل يقتله؟ فلنسامح القاتل!
محاولات الاستخفاف بقضايا المرأة وتهميش معاناتها هو جزء من كيان الفكر الذكوري، ولا يزال يمارس مع اختلاف الأزمنة والطرق.