طُرق التعليم الجامعي في العالم تعتمد على أحد الطرق التالية:
أولاً - التعليم النظامي: وفيه يلتزم الطلاب بالحضور في مقر المؤسسة التعليمية وبتحقيق نسبة حضور ساعات دراسية محدّدة لكل المواد والتواجد شخصياً في قاعات الامتحانات.
ثانياً - التعليم غير النظامي: ويشمل التعليم بالانتساب - التعليم المفتوح - والتعليم عن بُعد- وكل ذلك لا يتطلب تواجد الطالب قي مقر المؤسسة التعليمية.
ثالثاً - المؤسسات التعليمية غير المعتمدة والتي تزود طلابها بشهادات جامعية غير معتمدة ولا قيمة لها، شهادات وهمية مستخدمة أساليب وفنون الاحتيال المختلفة لاستغلال البيئة التعليمية والحاجة المتزايدة للتعليم العالي في سبيل تحقيق الربح غير المشروع والترويج لبيع الشهادات أو تزويرها.
وبالتأكيد جميعاً نطالب بالوقوف بحزم ضد هذه الظاهرة الأشد خطورة على المجتمع الكويتي بسبب انتشار الجامعـات التعليمية غير المعتمدة في بعض الدول الغربية والعربية، وكذلك الوقوف ضد الجامعات الاحتيالية والوهمية وكشف الشهادات الوهمية التي تصدرها هذه الجهات سواء بالتزوير أو باعتماد بيانات غير صحيحة بمقابل مادي.
إنما هنا سنتطرق إلى الجامعات المعتمدة من قِبل وزارة التعليم العالي (التعليم النظامي).
قبل أيام أثار الكثير من ردود الأفعال قرار وزير التربية بإيقاف الابتعاث إلى دولتي مصر والأردن في تخصص كلية الطب، فهناك من أيد القرار وهناك مَن انتقد ذلك.
ونتساءل هنا لماذا تم اتخاذ قرار إيقاف الابتعاث للتخصصات الطبية إلى مصر والأردن الآن؟
قيل إن القرار اتخذ في إطار سعي وزارة التعليم العالي لضبط جودة التعليم وضمان صحة وسلامة الشهادات العلمية، وتعزيز التعليم الجيد!
وهناك مجموعة من الأكاديميين قالوا إنّ القرار المتخذ كان خاطئاً؟
وبعيداً عن هذا اللغط سنتطرق لذلك من خلال زاوية أخرى محايدة.
تلك الجامعات تعد من أفضل وأقوى الجامعات في التخصصات الطبية، وتنافس أو تفوق قدرات جامعة الكويت بمراحل، ووقف الابتعاث يعني هدم مستقبل آلاف الطلبة.
والواضح أن تلك الجامعات تقبل الخريجين بنسبة أقل من الجامعات الأخرى، وهذا الأمر يعطي أملاً وفرصة لمن يرغب في استكمال دراسة الطب.
وهنا نتساءل:
هل إن من أساسيات النجاح في كلية الطب هي النسبة العالية جداً لخريجي الثانوية العامة التي تشترطها جامعة الكويت؟
هل إن من نسبته في الثانوية أقل من اشتراطات جامعة الكويت لن يكون طبيباً ناجحاً؟
بالطبع لا، فالنسبة ليست شرطاً أساسياً للتميز واجتياز الاختبارات، فهناك طلبة معدلاتهم عالية جداً إنما لا يتوفقون في دراسة التخصص الذي وقع اختيارهم عليه، وبالعكس هناك من نسبته أقل إنما يكون دكتوراً متميزاً وناجحاً في عمله.
آلية التوقيت يجب أن تكون وفق دراسة مستفيضة ولا تكون وليدة اللحظة، خصوصاً تلك القرارات المصيرية، ولا تكون قرارات فردية، وهو ليس أمراً سهلاً لأنه يتوقف عليه مصير ومستقبل الوطن والأبناء، خاصة ونحن نسعى دوماً إلى تكويت الوظائف في التخصصات النادرة والتي تتعلق بأرواح الناس.
فتلك القرارات يجب أن تتبع لجاناً متخصصة يتمتع أعضاؤها بالحيادية والشفافية، وتدرس الملف بشكل مستفيض وبحقائق وقرائن وتعمل جاهدة على إيجاد الحلول المناسبة لتفادي أي قصور أو أخطاء، إنما اتخاذ هكذا قرار مفاجئ دون مقدمات يفتح الباب لاحتمالات عدة.
إنما ما أثار تلك الشكوك تزامن إعلان الوزير مع الإعلانات المنتشرة بفتح كليات ومختبرات الطب المساعد؟
هل المقصود هو عدم تمكين أبنائنا من ذوي النسب الأقل على الالتحاق بكلية الطب، والسعي للزج بهم إلى الالتحاق بكلية الطب المساعد؟
لماذا الآن؟
لأن تلك الكليات تقبل الطلبة بنسبة أقل من الجامعات الأخرى ولذلك يتم الإقبال عليها لمن يرغب باستكمال دراسته الطبية، وذلك ليس فيه أي عيب.
ويجب علي الوزير الذي اتخذ هذا القرار المثير للجدل إيجاد مخرج، وقبول الطلبة الذين كانت نسبهم تؤهلهم للقبول فى تلك الكليات الموقوفة، والقيام بعملية تعويض كي لا يضيع مستقبل الأبناء والذين كانوا على أمل أن يستكملوا الدراسة هناك، فلا تقطع بهم الحبل ولا نقول إنك كنت على عداء معهم، إنما يجب أن تنظر إليهم بعين العدل.
هل الوزراء السابقون كانوا على متابعة ودراسة لتلك الكليات، أم هي فقط الآن في حكومة (تصريف الأعمال) والتي من واجباتها عدم اتخذ قرارات مصيرية تهم الآلاف من الطلبة وتهدد مستقبلهم!
الملحق الثقافي له دور كبير في متابعة الطلبة والجامعة فهو الوسيط وحلقة الوصل بين الدولة والطلبة والجامعات الخارجية، هل تم تقديم تقارير ودراسات عن الطلبة للوزارة ليتم البت فيها واتخاذ هكذا قرار؟
من مسؤوليات المكتب الثقافي متابعة الطلبة بصورة مستمرة، ومعرفة نتائجهم، ونوعية المناهج التي تدرس في الجامعات، وتوافقها مع المعايير العالمية، لمعرفة استمرار اعتماد هذه الجامعات من عدمه.
ختاماً:
يجب على وزير التربية إعلان الأسباب الحقيقية لاتخاذ هذا القرار المصيري؟ فان قال إن تلك الجامعات دون المستوى العلمي المطلوب، إذاً ما هو مصير أبنائنا الطلبة الذين لا يزالون يدرسون هناك؟ إن ذكرت بأن الطلبة الملتحقين في تلك الجامعات سيستمرون بالدراسة!
كيف سيستمرون في جامعات دون المستوى المطلوب!
الدكاترة العاملون والخريجون من هذه الجامعات كأطباء ما هو مصيرهم؟ وهل هم دون المستوى كذلك؟
اعلم بأن أي قرار يتخذ له نتائج وتبعات، فإن قلت إن مخرجات تلك الجامعات دون المستوى كما ادعيت... فالمطلوب إذاً اتخاذ قرار بإنهاء خدمات جميع الأطباء العاملين من خريجي هذه الجامعات!
إذاً الأمر برمته غير منطقي ويتوقف عليه آثار كثيرة جداً؟ فانت بهذا القرار تجني على الأطباء الخريجين العاملين وكذلك تجني على مستقبل الطلبة الراغبين بالالتحاق بتلك الجامعات.
سؤال آخر:
أنت في حكومة تصريف الأعمال أيها الوزير فلماذا تتخذ قراراً مصيرياً بهذه السرعة؟!
ما هو دور اللجنة التعليمية في مجلس الأمة مع ما يشابه هذه القرارات المصيرية؟
بدلاً من اتخاذ هكذا قرارات مصيرية المفترض تصحيح عملية المتابعة للطلبة خلال العام الدراسي، من خلال ابتعاث لجان تتابع الطلبة وتحضر المحاضرات ليتم تقييم أداء المحاضرين وتصحيح المسار، والأهم وضع الحلول المناسبة للمشاكل والسلبيات التي تعترض الطلبة بهدف الوصول لأفضل النتائج.
جامعة الكويت تشترط لقبول طلبة الطب الحصول على نسب عالية جداً جداً، ومع ذلك تقبل أعداداً قليلة من الطلبة بهذه النسب بعد اختبار القدرات والاشتراطات الأخرى الكثيرة ما يضطر الطلبة إلى التسجيل في البعثات الخارجية والداخلية.
للأسف تطرق البعض كردة فعل بالعنجهية والعنصرية ضد تلك الدول والدارسين فيها ويعتبر ذلك أسوأ إساءة؟
ونستذكر عندما تعرضت طفلة أردنية للاختناق بسبب بلع غطاء قارورة ماء داخل أحد المحال التجارية في مدينة إربد الأردنية، وصادف وجود طبيب كويتي حديث التخرج، سارع وهرع على الفور لإنقاذ حياة الفتاة في الوقت المناسب، وكتب الله النجاة لها، فالطب ليس مجرد دراسة إنما قرار ورد فعل مباشر وفوري مع أخطر المواقف، وهنا يتبين جودة التعليم الذي تلقاه هذا الطبيب والأجمل تلك الكلمات الذي ذكرها:
«الحمد لله الذي سخّرني لإنقاذ الطفلة باللحظات الحرجة... هذه اللحظة والله تساوي كل تعب السنين والدراسة».
الكويت تفتخر بكل أبنائها الخريجين سواء كانوا من جامعة الكويت أو الجامعات الأهلية ومن الجامعات الأخرى المنتشرة في مختلف بقاع العالم فكلها سواء لا تمايز لفئة على أخرى، ندعو الله لهم بالتوفيق والسداد والمستقبل المشرق الزاهر في حياتهم العملية بإذن الله.
اللهمّ احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمد لله رب العالمين.