بعدما أعلنت الولايات المتحدة، «الحربَ بالوكالة» على روسيا على الأراضي الأوكرانية وحشدتْ الدولَ الغربية خلفها، انضمّت إسرائيل إلى الحلف الغربي، هي التي تشكل جزءاً من US CENTCOM، أي المنطقة المركزية من الكرة الأرضية الواقعة بين قارتيْ أوروبا وأفريقيا والمحيطين الهندي والهادئ، والمسؤولة عن حماية المصالح الأميركية في المنطقة التي تمتدّ من القرن الأفريقي إلى آسيا الوسطى.

وكانت تل أبيب أعلنت الإدانة لموسكو وسلّمتْ كييف أسلحةً اعتراضيةً وهي تُقَدِّم لها معلوماتٍ استخباراتيةً ما يجعلها شريكاً ضمن 50 دولة مجتمعة في القاعدة الأميركية في ألمانيا، رامشتاين، لقيادة وإدارة ودعْم الحرب على روسيا.

إلا أن الكرملين يعمل بصمت، وهو ما تجلّى في توجيه ضربةٍ قاصمة لظهر الولايات المتحدة وإسرائيل، عبر إيصال إيران إلى التكنولوجيا الصاروخية فرط الصوتية التي تملكها دولٌ قليلة حول العالم. وهذا ما دفع أميركا لـ «تعويم» الملف النووي من جديد في ملاقاة ما تبقّى من حُكْمِ بايدن، وذلك خوفاً من خروج إيران كلياً عن السيطرة.

أعلنت طهران عن أول «صاروخ بالستي فرط صوتي محلي الصنع» ويحمل اسم «فتّاح» ويبلغ مداه 1400 كيلومتر وسرعته قبل إصابة الهدف 13 - 15 ماخ (1 ماخ يساوي نحو 1225 كيلومتراً في الساعة) وله قدرة تغيير سرعته أثناء التحليق ما يجعل اعتراضه مستحيلاً.

وكانت «الراي» كشفتْ قبل أسابيع عن امتلاك إيران هذا النوع من الصواريخ فرط الصوتية.

وتملك دول قليلة جداً هذه التقنية التي أعلنتْ عنها روسيا للمرة الأولى وطوّرتْها مثل صواريخ «زيركون» و«أفانغارد» القادرة على الطيران بسرعة تزيد 27 مرّة على سرعة الصوت.

كذلك أعلنت الصين وكوريا الشمالية امتلاك هذه التقنية المتقدّمة التي لا تملكها أكثر دول العالم ومن ضمنها الدول الأوروبية.

ولأعوام طويلة، عملتْ روسيا على إبقاء التوازن قائماً في الشرق الأوسط، فرفضتْ تسليحَ إيران بصواريخ متقدمة لتفادي إغضاب إميركا وإسرائيل.

واستمرّ التردد الروسي حتى منتصف عام 2022، أي بعد أشهر عدة من اندلاع الحرب الروسية - الغربية في أوكرانيا، إلى أن وُقِّعَ اتفاق تعاون إستراتيجي دفاعي إيراني - روسي قضى بتسليم آلاف الطائرات الإيرانية المسيَّرة لموسكو (وكانت «الراي» أول مَن أعلن عن الاتفاق).

وفي المقابل، وبعد تأكُّد روسيا من أنها تُركتْ وحيدةً في المعركة، جاءت إيران الدولة الوحيدة التي لم تتردد في دعم موسكو عسكرياً ولم تخشَ العقوبات الأميركية والغربية عليها على قاعدة «انا الغريق وما خوفي من البلل».

وكانت الولايات المتحدة فرضتْ أكثر من 3800 عقوبة على إيران منذ العام 1980، أي بعد انتصار الثورة، وتوالتْ جميع الإدارات الأميركية مُحاوِلَةً التميُّز عن سابقتها بفرض عقوبات إضافية وعزْل إيران عن العالم المالي والدولي وحجْز أموالها في المصارف والدول المتعددة.

ويعكس امتلاكُ إيران لصواريخ فرط صوتية - كقفزة نوعية لا مثيل لها - مستوى التعاون الوثيق بين موسكو وطهران.

بالإضافة إلى أنه رسالة للولايات المتحدة - التي تملك قواعد عدة في المنطقة - بأن طهران أصبحت تملك قدرات متقدمة للردع ضد مصالح أميركا في آسيا وكذلك صديقتها المدلّلة إسرائيل.

أما الرسالة الروسية لإسرائيل، فهي أنها مكّنتْ إيران من الاستحواذ على صواريخ لن تستطيع منظومة «القبةُ الحديد» التي تتغنّى بها تل أبيب اعتراضَها، لأن طهران لن تتردّد بضرب إسرائيل إذا هاجمتها وقصفت منشآتها النووية.

وأثبتت إيران أنها تملك الجرأة التي تمثلت في ضرب أكبر قاعدة عسكرية أميركية في العراق - عين الأسد - عام 2020 رداً على قرار الرئيس دونالد ترامب باغتيال اللواء قاسم سليماني.

من هنا، فإن إيران تملك أوراقاً رادعة عدة، أوّلها حلفاؤها الأقوياء في الشرق الأوسط المستعدّون لولوج الحرب دفاعاً عن «محور المقاومة» الذي أنشأتْه طهران.

ثانيها، أن أسلحتَها المسيَّرة أثبتتْ فاعليتها في أوكرانيا وعاثت دماراً في الجيش الأوكراني وأسلحته الغربية، ما ساهم في معاودة روسيا سيطرتها على أرض المعركة.

وثالثها، أن منظومة إيران الصاروخية أثبتت تَقَدُّمها وفعاليتها في منعطفاتٍ عدة عند ضربها مراكز لـ «داعش» في سورية وقواعد لـ«مجاهدين خلق» في العراق وكذلك قاعدة لـ«الموساد» الإسرائيلي في كردستان العراق.

وبتسليم إيران صواريخ متطورة ودقيقة الإصابة لحلفائها، فرضتْ على إسرائيل «توازن الرعب» ما أفقد تل أبيب حرية العمل العسكري في لبنان وسورية ضدّ «حزب الله» خوفاً من ردّه واستخدامه للصواريخ الإيرانية مثل صاروخ «الفاتح» المتطوّر ودقيق الإصابة.

ولا تحتاج موسكو للإعلان عن تطويرها لبرنامج إيران الصاروخي، مثلما حاولت طهران تكراراً نفي تسليمها لموسكو طائراتها المسيَّرة.

إلا أن روسيا أثبتت أنها لن تنام على ضيم وأن سياستها الجديدة تنطوي على خطوة إستراتيجية لم تقم بها مِن قَبل تجاه طهران، وأن الكرملين فتح أبوابه للدولة التي وقفت إلى جانبه في أحلك الظروف ولم تأبه للتهديدات الأميركية - الأوروبية ولديها عقيدة قوية لا تتأثر بالتهديد الغربي.

لذلك من المتوقع أن تكون الرسالة الروسية وصلت إلى مَن يهمهم الأمر في واشنطن وتل أبيب وأن الخطوط الحمر أزيلت تماماً وأن مستقبل التعاون الروسي - الإيراني سيحمل مفاجآت أخرى غير متوقَّعة... إنه ثمن الوفاء بالعهود.