قرّرت الإدارة الكردية في شمال شرقي سورية، بدء محاكمة الآلاف من مقاتلي تنظيم «داعش» الأجانب المحتجزين لديها، ما فاجأ الديبلوماسيين العاملين على القضية، وأثار مخاوف في شأن مراعاة الإجراءات القانونية الواجبة.

وتحتجز الإدارة الذاتية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تعمل بشكل منفصل عن الحكومة المركزية في دمشق، أكثر من نحو 10 آلاف شخص يشتبه في انتمائهم لـ «داعش» فروا من آخر معاقل كانت تحت سيطرة التنظيم المتشدد في سورية بين عامي 2017 و2019.

وبين هؤلاء 2000 أجنبي رفضت دولهم الأصلية إعادتهم إلى بلادهم.

وتشرف «قسد» وقوات الشرطة الكردية المحلية المعروفة باسم «الأسايش»، على نحو 51 ألف فرد من عائلات مقاتلي «داعش»، ومعظمهم من النساء والأطفال في مخيم الهول.

ولا يزال العديد من أفراد الأسر من أشد المؤيدين لـ«داعش»، ووقعت عمليات قتل على أيدي مسلحين في المخيم على مر السنين.

ويدعو مسؤولون محليون منذ أعوام، الدول الأجنبية، بما في ذلك كندا وفرنسا والمملكة المتحدة وغيرها، إلى استعادة مواطنيها، وكذلك الآلاف من النساء والأطفال الأجانب الذين فروا من «دولة الخلافة» التي أعلنها التنظيم والموجودين في معسكرات الاعتقال.

وذكرت الإدارة الذاتية في بيان على الإنترنت، السبت، «بسبب عدم تلبية المجتمع الدولي لنداءات ومناشدات الإدارة الذاتية للدول لتسلّم مواطنيها من التنظيم، وإحقاقاً للحق، وإنصافاً للضحايا، وتحقيقاً للعدالة الاجتماعية، فقد قررت الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سورية البدء بتقديم عناصر داعش من الأجانب المحتجزين لديها إلى محاكمات علنية وعادلة وشفافة».

وتابعت أن المقاتلين من نحو 60 جنسية دخلوا سورية منذ سنوات وتم أسرهم في معارك ضد المتطرفين، ووضعوا في نحو 20 مركز احتجاز.

وأضاف البيان ان «التنظيم الإرهابي ارتكب جرائم مروعة ومذابح جماعية بحق شعوب المنطقة».

وأكد أن مثل هذه الأعمال تعتبر «جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب».

وأوضحت السلطة التي يقودها الأكراد ان سنوات القتال ضد «داعش» خلفت 15 ألف قتيل من مقاتلي «قسد» و25 ألف جريح.

وقال بدران جيا كرد، المسؤول الكبير في الإدارة الذاتية لـ «رويترز»، إن قانوناً محلياً لمكافحة الإرهاب جرى تعديله العام الماضي ليصبح أكثر شمولاً سيستخدم لمحاكمة مقاتلي التنظيم، مضيفاً «سيكون هناك حق توكيل محامٍ للمتهمين».

لكنه لم يفصح عما إذا كانت المحاكم ستعين محامياً لهم.

ولا ينص قانون الإدارة الذاتية على إصدار أحكام الإعدام.

وتابع جيا كرد «سنقوم بدعوة التحالف الدولي... وجميع المنظمات والجهات الحقوقية والشخصيات التي تريد المتابعة والحضور كمراقبين بحكم أنها محاكم علنية وشفافة».

وساعد التحالف بقيادة واشنطن الأكراد في طرد التنظيم المتشدد من مناطق في شمال سورية.

وقضية المقاتلين الأجانب من أكثر القضايا الأمنية والحقوقية تعقيداً في الحرب السورية المستمرة أكثر من 11 عاماً.

ولم يستعد الكثير من الدول رعاياها الذين انضموا إلى التنظيم خوفاً من أن قوانين مكافحة الإرهاب المطبقة لديها لن تضمن معاقبتهم بأحكام سجن طويلة.

وقال ديبلوماسي غربي يعمل في سورية لـ «رويترز»، إن قرار الإدارة الذاتية للأكراد «كان مفاجأة».

وطرحت الفكرة للنقاش في الماضي، لكن نحيت جانباً لأسباب عدة، أهمها المسائل المتعلقة بشرعية محكمة محلية تعمل بشكل منفصل عن الحكومة السورية.

وتابع الديبلوماسي «لم يعتقد أحد أنهم سيفعلون ذلك. نحن نأخذ الأمر على محمل الجد لأنهم يحتجزون الكثير من الناس، لكن هذه قضية منفصلة عن محاكمتهم. محاكمتهم أمر مختلف تماماً».

وأضاف أن مثل هذه المحاكمات ستحتاج إلى توفير مستويات عالية من الأمن، مشيراً إلى أن خطر هروب مقاتلي التنظيم سيزداد.

وقالت ليتا تايلر، المتخصصة في شؤون مكافحة الإرهاب في منظمة «هيومان رايتس ووتش»، إنه يجب على المجتمع الدولي، إما توفير الدعم للمحاكمات التي ستجري في شمال شرقي سورية بما في ذلك بالموارد، أو إجراء المحاكمات في دول المعتقلين أو في دولة ثالثة.

وصرّحت لـ «رويترز»، «أي شيء غير ذلك لن يعتبر فقط انتهاكاً لحقوق هؤلاء المعتقلين في الحصول على محاكمة عادلة، لكنه سيمثل أيضاً صفعة على الوجه لضحايا تنظيم الدولة الإسلامية وأفراد أسرهم الذين يستحقون رؤية العدالة تتحقق في جرائم التنظيم».

وفي الأسبوع الماضي، أعلنت «قسد» أنها سلّمت 50 مقاتلاً عراقياً من «داعش» إلى بغداد.

كما أعادت 170 عراقياً كانوا يعيشون في مخيم الهول.

وجاء إعلان الإدارة الذاتية، بعد يومين من استضافة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، اجتماعاً في الرياض، لوزراء خارجية التحالف الدولي الذي يحارب «داعش».

وأعلن خلاله عن تمويل أميركي جديد بقيمة 150 مليون دولار لجهود تحقيق الاستقرار في سورية والعراق.

ويضم التحالف الدولي، أكثر من 80 دولة لتنسيق العمل ضد المتشددين، الذين سيطروا في أوجهم على أجزاء كبيرة من سورية والعراق.

وقال بلينكن إن التعهد الأميركي جزء من تمويل جديد يصل إلى أكثر من 600 مليون دولار.

ومن المتوقع أن تتدفق المساعدات الأميركية لسورية، عبر حلفاء أكراد أو الأمم المتحدة أو جماعات إغاثة دولية، حيث تفرض الولايات المتحدة ودول غربية أخرى عقوبات على حكومة الرئيس بشار الأسد.

وهناك ما لا يقل عن 900 جندي أميركي في سورية، خصوصاً في المنطقة التي يسيطر عليها مقاتلو «قسد»، إلى جانب عدد غير معروف من المتعاقدين.