لاقى الوزير السابق جهاد أزعور ما يُشبه «الترشيحَ بقفازات» له من غالبية قوى المعارضة و«التيار الوطني الحر» بما بدا قبولاً «بين الأسطر» حدّد معه طبيعة ترشيحه البعيد عن أيّ «مواجهة» كما إطار مَهمته الرئاسية، بحال دخل قصر بعبدا، والمحكومة بمعادلة «التوحيد لا التحدي».

ولم يكن عابراً أمس ما نقله بعض الذين التقوا أزعور أخيراً من أنه سيسعى في حال وصل الى سدة الرئاسة إلى أن يكون «في موقع التوحيد لا التحدي، بمعنى توحيد كل اللبنانيين على تحدي الانهيار، وتجاوزه، والنهوض مجدداً»، مشدداً على أنه ليس مرشحاً لمواجهة أي طرف لبناني، بل يريد أن يكون «جميع اللبنانيين موحّدين معه في المواجهة مع الأزمة».

وجاء هذا الكلام لأزعور، الذي يتولى حالياً منصب مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، على وقع تحوُّل ترشيحه ولو «بسقوف متفاوتة» لداعميه أمراً واقعاً مع انضمام «التيار الحر» إلى هذا الخيار بموافقةٍ شفوية بدا أنه اعتبرها كافية للمعارضة لتحسين شروط الإطاحة بترشيح سليمان فرنجية (المدعوم من حزب الله والرئيس نبيه بري)، و«شافية» ولو موقتاً لجرْح الانقساماتِ داخل التكتل الذي يترأسه النائب جبران باسيل حيال تأييد أزعور، و «وافية» أقله في نظره لهدفِ محاولة تحقيق مساكنة شبه مستحيلة بين التقاطع مع خصوم «حزب الله» على اسم لحرْق «حصانه الرئاسي الوحيد» وبين عدم قطْع آخِر الجسور مع شريكه في تفاهم مار مخايل وتالياً «حفْظ خط الرجعة» ولو إلى خيار ثالث.

وكان تكتل «لبنان القوي» عقد عصر الثلاثاء اجتماعاً، اضطر فيه باسيل لاستخدام «السلاح الاحتياطي» الذي يُشكّله الرئيس السابق للجمهورية ومؤسس «التيار الحر» العماد ميشال عون الذي حضر شخصياً في محاولةٍ لتوحيد موقف النواب حول مقاربة صهره (باسيل) وإخماد الاعتراضات على دعم أزعور، التي راوحت بين:

- اعتبار مثل هذه الخطوة ارتداداً على موقف التيار من حقبةٍ «حاكَمها» سياسياً وإعلامياً عبر ما عُرف بكتاب «الإبراء المستحيل».

- عدم تحبيذ سحْب اليد رئاسياً بالكامل من «حزب الله» الذي خيضت معه الانتخابات النيابية في أكثر من منطقة والذي ستكون لأي «طلاق» معه تبعاتٌ في أيّ استحقاقٍ نيابي مقبل قد تستتبع ارتداداتٍ على مستوى حضور التيار على الصعيد السياسي العام والتوازنات الناظمة للأحجام في الحكومة والإدارة وغيرها.

- أن أيّ اصطفاف مع المعارضة سيجعل التيار يخسر دور مَن «يرجّح الكفة» رئاسياً في أكثر من اتجاه وكأنه «يضع كل بيضه في سلة واحدة» من دون أن يكون حتى ضامناً وصول مَن يدعمه ولا يملك «خطة ب» لِما بعد تعطيل ترشيحيْ أزعور وفرنجية وأي خيار سيكون مطروحاً أو ممكناً وما «حصة» التيار فيه.

• أن ثمة أسماء داخل التكتل أولى بدعم ترشيحها من أزعور وقد تكون قابلة لتحقيق اختراقٍ في ضوء عدم وجود فيتوات حاسمة عليها من الأحزاب المسيحية في المعارضة، كما أن اعتمادها لن يُعتبر قبولاً من التيار بأن يُستخدم في مواجهة «حزب الله».

وإذ بدا أن العماد عون نجح في احتواء الاعتراضات والتخفيف من حدتها، قاطعاً الطريق في الوقت نفسه على أي ترشيح لأحد أعضاء التيار للرئاسة بطرحه معادلة «النظام الداخلي يقول إن مَن يريد الترشح للرئاسة عليه أن يكون رئيس التيار أولاً»، فإن البيان الختامي للاجتماع حمل موقفاً صيغ بعناية وتجنّب إعلان التبني الصريح لخيار أزعور مكتفياً بإعلان أنه «تم التأكيد على المسار المتفَق عليه سابقاً والذي يقوده رئيس التكتل لجهة التوافق مع المعارضة على مرشحٍ لرئاسة الجمهورية يتمّ الإعلان عنه بعد تحديد الاحتمالات واكتمال المشاورات في ما يخصّ البرنامج وآلية الانتخاب وتأمين أوسع تأييد نيابي له على قاعدة التوافق وليس الفرض وإذا تعذَّر ذلك التوجه الى تنافس ديموقراطي عبر التصويت في مجلس النواب. مع تأكيد التكتل قناعته ان انتخاب رئيس جمهورية ونجاحه في هذه المرحلة يتطلّب توافقاً وليس تحدياً من أحد ضد أحد».

وتعاطت بعض الدوائر مع هذا الموقف على أنه بمثابة «وضْع رصيد في الـ ATM الرئاسي» لأزعور ولكن على طريقة الـ «لولار» (في استعارة من الدولارات العالقة في المصارف وغير القابلة للسحب والتي باتت أشبه بدولارات وهمية)، في ضوء عدم ضمان أن يصبّ كل تكتل باسيل النيابي لمصلحة وزير المال السابق في أي جلسة انتخابية، رغم أن هذه الدوائر اعتبرتْ أن رئيس «التيار» بموقفه الذي أعطى موافقة على طريقة «وعد بالبيع» للمعارضة انطلق من إدراكٍ بأن الرئيس نبيه بري لن يدعو إلى جلسةٍ لا يكون فيها فوز فرنجية بالدورة الثانية (65 صوتاً) «في الجيْب» باعتبار أن أي جلسة يخرج منها الأخير وأزعور خاسريْن ستفتح الباب أمام السيناريو الذي حذّر منه «حزب الله» جهاراً وهو طرْح اسم ثالث و«دفْن» خيار فرنجية.

وكان بارزاً ما أعلنه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في حديث الى جريدة «الأخبار»، لجهة «أن التيار الحر أبلغ قوى المعارضة التزامه ترشيح أزعور»، واصفاً إياه بأنه «مرشح حيادي، إذ كان للقوات مرشحون، لكننا وافقنا عليه من باب تحمل المسؤولية».

ولفت إلى أن «المفاوضات لاتزال مستمرة للبحث في استراتيجية ما بعد الاتفاق»، ومؤكداً أن «أزعور سيحوز أكثر من 65 صوتاً مع أصوات التيار الوطني الحر ولكن الرئيس بري لن يدعو إلى جلسة انتخاب إلا عندما يتأمن 65 صوتاً لمرشح محور الممانعة سليمان فرنجية وعدا ذلك، سنقضي 300 سنة من دون جلسة انتخاب»، وهو الانطباع الذي يسود غالبية الأطراف ويؤشر إلى أن الفراغ الرئاسي باق و... يتمدّد.

وفي سياق بلورة موقف التيار الحر أكثر، أوضح النائب سليم عون أن «التيار تقاطع مع القوات اللبنانية والكتائب وبعض النواب المستقلين عند اسم أزعور»، معتبراً أنّ «عدم تبنّي أزعور علناً يأتي في سياق توفير الظروف المناسبة لتأمين فرص نجاحه وذلك عبر عدم طرحه كمرشّح تحدٍّ».

وربط «خطوة إعلان الترشيح بدعوة بري الى جلسة انتخابيّة»، وقال: «إذا دُعينا اليوم الى جلسة ستصبّ أصوات التيار كاملة لصالح أزعور ولا صحّة لما يشاع حول انقسامات في صفوفنا».

الراعي وماكرون

في موازاة ذلك، حَمَل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ورقة تَقاطُع غالبية المعارضة (وأحزابها المسيحية) مع التيار الحر على اسم ازعور الى لقاء الساعة وأكثر الذي عقده أول من أمس مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي كان ذهب بعيداً في تبني خيار فرنجية، بمعزل عن الرفض المسيحي العارم له، على قاعدة أن هذا هو مفتاح تفكيك الأزمة اللبنانية عبر رئيسٍ لا يمكن وصوله من دون موافقة «حزب الله» في مقابل رئيس حكومة قريب مما كان يُعرف بـ 14 مارس بما يحقق نوعاً من التوازن السياسي.

وأفاد بيان صادر عن الاليزيه بان ماكرون «ذكر خلال استقباله البطريرك الراعي بعلاقات فرنسا العميقة مع مسيحيي لبنان ودورهم التاريخي في بناء لبنان وضرورة بقائهم في قلب التوازن الطائفي والمؤسسي للدولة اللبنانية من خلال المشاركة الفعالة والمسؤولة في العملية السياسية الحالية»، مؤكداً «أن أعمال فرنسا في لبنان تهدف فقط إلى الحفاظ على وحدة البلاد وسلامتها، وحماية سكانها من خلال التخفيف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الجمود السياسي والمؤسساتي الحالي، والحفاظ على نموذج التعايش القائم». واذ اتفق الرئيس الفرنسي والراعي «على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية دون تأخير» عبّر ماكرون عن دعمه لجهود البطريرك الراعي الجارية ودعا جميع القوى السياسية إلى بذل جهود مشتركة لكسر الجمود السياسي الحالي دون تأخير.

ونقلت صحيفة «النهار» عن مصدر فرنسي رفيع المستوى، أن البحث بين ماكرون والراعي «تناول النقاشات الدائرة حول المرشحين ومن بينهم جهاد أزعور مع أسماء عديدة أخرى تم التطرق اليها»، مؤكداً «ان موقف فرنسا هو أن مسوؤلية التوافق تقع على اللبنانيين وفرنسا لا تختار ولا تنتخب الرئيس».

وقال المصدر «إن على الأحزاب المسيحية اللبنانية ان تتوافق على مرشح مقبول من غالبية النواب سواء أزعور أو غيره فعلى الجميع في لبنان أن يعرفوا أن فرنسا لم ولن تقترح اسم مرشح. أما البطريرك فعرض وجهة نظره بالنسبة الى الانتخابات الرئاسية والمساعي التي قام ومازال يقوم بها من أجل التوصل الى مرشح يكون مقبولاً من أكثرية اللاعبين على الساحة الداخلية والتي أدت الى ترشيح جهاد أزعور، داعياً الرئيس ماكرون إلى تأمين غطاء دولي وإقليمي لمرشح توافقي لا يستفزّ أيّ طرف ولا يُشكّل تحدياً لأيّ طرف».

مَنْعٌ لبنانيّ ثانٍ لسلامة من السفر في «ملفه الألماني»

| بيروت - «الراي» |

أصدرت النيابة العامة التمييزية في لبنان، قرار منع سفر ثانياً بحق حاكم البنك المركزي رياض سلامة الذي استجوبه المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان، أمس، في ضوء مذكرة التوقيف الصادرة عن القضاء الألماني والتي تم تعميمها عبر الانتربول في قضية غسل أموال واختلاس يجري التحقيق فيها أيضاً بأكثر من دولة أوروبية.

وطلب القضاء اللبناني من مكتب الإنتربول في بيروت، مراسلة مكتب الإنتربول الدولي للحصول على ملف الاسترداد من ألمانيا للاطلاع على حيثيات مذكرة التوقيف ومضمون الملف ليقرّر في ضوء ذلك وجود ما يكفي من وقائع لملاحقة سلامة في لبنان أم لا، علماً أن «بلاد الأرز» لا تسلّم المطلوبين من مواطنيها إلى دول أجنبية لمحاكمتهم.

وكانت القاضية الفرنسية اود بوريسي أصدرتْ في 16 مايو الماضي مذكرة توقيف دولية بحق سلامة بجرائم غسل أموال واختلاس وتمّ تعميمها عبر «الانتربول» واستمع القضاء اللبناني بموجبها للحاكم وحَجَز جوازيْ سفره الفرنسي واللبناني ومنَعه من السفر.