أي أميركا علينا أن نصدّق؟ هل نصدْق أميركا المعترضة على أي تطبيع مع النظام السوري، وهذا موقف سليم من الناحية النظرية... أو أميركا التي لعبت دوراً أساسياً في بقاء النظام في دمشق؟

إنّ أميركا، التي ساهمت بطريقة أو بأخرى في منع انتصار الثورة السوريّة، هي التي تجري في هذه الأيّام مفاوضات ذات طابع سياسي وأمني مع ممثلين للنظام السوري في سلطنة عُمان.

ثمّة حاجة إلى توضيح الموقف الأميركي، أقلّه لجهة اعتماد واشنطن سياسة واضحة من النظام القائم في دمشق. يبدأ توضيح الموقف الأميركي.

يكون ذلك بعيداً عن التذرع بخطف صحافي أميركي اسمه اوستن تايس، اختفى في منطقة قريبة من دمشق صيف العام 2012 في أثناء تغطيته للثورة الشعبية على النظام الأقلّوي الذي على رأسه الأسد الابن.

هذا لا يعني في طبيعة الحال امتناع الإدارة الأميركية عن السعي إلى استعادة الصحافي الأميركي أو معرفة مصيره بمقدار ما يعني السعي إلى تفهّم اليأس العربي من تذبذب السياسة الأميركية بشكل عام.

من حقّ الإدارة الأميركيّة العمل من أجل معرفة مصير استون تايس. هذه نقطة في مصلحتها.

لكنّ ليس من حقها في الوقت ذاته إعطاء دروس إلى أي جهة عربيّة في أي مجال كان، بما في ذلك طريقة التصرّف مع النظام السوري.

هذا النظام الذي سيتبين عاجلاً أم آجلاً أن إعادته إلى شغل مقعد سورية في الجامعة العربيّة لا تقدّم ولا تؤخّر، أقلّه بسبب العلاقة العضوية التي تربطه بـ«الجمهوريّة الإسلاميّة» في ايران.

في سياق التساؤل عن صدق الموقف الأميركي، تمكن الإشارة إلى أن الأجواء في الكونغرس تشير إلى مزيد من التشدّد في التعاطي مع النظام السوري.

يوجد أعضاء ديموقراطيون وجمهوريون في الكونغرس يعملون من أجل إقرار قانون تحت عنوان «قانون محاربة التطبيع مع نظام الأسد للعام 2023».

يهدف القانون إلى تحقيق أهداف عدّة، أبرزها «حظرُ أيّ إجراء حكوميّ أميركي من شأنه الاعتراف بأيّ حكومة سوريّة يرأسها بشّار الأسد أو تطبيع العلاقات معها».

كذلك يدعو مشروع القانون إلى «سَنّ قوانين جديدة، وتحديث قوانين سابقة متعلّقة بالشأن السّوريّ وتمتينها وتوسيعها، وإلى إرسالِ رسائل سياسيّة وقانونية مهمّة إلى الدّول التي طبّعت علاقاتها مع نظام الأسد السفّاح أو تسعى إلى التطبيع معه».

يشير مشروع القانون إلى «العواقب القانونية والسّياسيّة والاقتصادية الوخيمة التي ستترتّب على مثل هذا الفعل الشّنيع وغير الأخلاقيّ والمُدان الذي يرفضه أصحاب الدّم السّوريّون».

إلى ذلك، يحذّر مشروع القانون إدارة بايدن من أن «مسألة بثّ الحياة مجدّداً في الشّخصية السّياسيّة لمجرم حرب كبشّار الأسد أمرٌ مرفوضٌ تماماً من الحزبين ولا رجعة فيه، وأن الحزبين مُصرّانِ على تطبيق جميع القوانين النّافذة بحقّ الأسد، ولن يسمحا بفرضه أمراً واقعاً، ليكون الحلّ الوحيد للخروج بسورية من أزمتها إلى مستقبل أفضل في التقاء السوريين على مشروع مشترك وفق القرارات الأمميّة بعيداً عن الأسد، كي يمكن بعده رفع العقوبات وإعادة بناء سورية».

خلاصة ما ورد في نص مشروع القانون أنّ لا خلاص لسورية من دون الخلاص من النظام، عبر تطبيق القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدعو إلى فترة انتقالية مدتها 18 شهراً تليها انتخابات حرّة بإشراف الأمم المتحدة.

ليس سرّاً أن احتمال إقرار هذا القانون الذي سيحدّ من هامش المناورة لدى الإدارة الأميركية في شأن كلّ ما له علاقة بالوضع السوري أمر وارد. بل وارد جدّاً.

لا يستطيع العالم، خصوصا أميركا وأوروبا، بمعظم دولها، التعاطي مع نظام يصنع حبوب الكبتاغون ويصدرها في اتجاه دول الخليج العربي وأوروبا... ويتوقع الحصول على مكافآت ذات طابع سياسي جراء ما يقوم به.

لكنّ السؤال الذي لا بدّ من طرحه في كلّ وقت ما الذي فعلته الإدارات الأميركية المتلاحقة من أجل التخلّص من النظام السوري قبل أن يصبح تحت السيطرة الإيرانيّة الكاملة وقبل أن تتمكن «الجمهوريّة الإسلاميّة» من تغيير التركيبة السكانية لسورية بدعم روسي في مرحلة معيّنة؟

الجواب الوحيد أنّ الإدارات الأميركية المتلاحقة، منذ اندلاع الثورة الشعبية السورية، العام 2011 إلى يومنا هذا، سارت في خط السياسة الإسرائيلية التي تقوم على بقاء النظام من أجل التأكّد من سقوط سورية التي عرفناها وتفتتها.

ليس ما يضمن تغيير طبيعة سورية وتفتيتها أكثر من النظام القائم...

في السنوات الثماني التي أمضاها باراك أوباما في البيت الأبيض، وكان نائبه جو بايدن، عمل الرئيس الأميركي كلّ ما يستطيع من أجل تفادي إزعاج إيران في سورية.

كان همّه التوصّل إلى اتفاق في شأن الملف النووي الإيراني وليس مستقبل الشعب السوري ودور سورية في المنطقة كدولة مسالمة تعيش مع محيطها العربي بأمان وتلعب دوراً إيجابياً على الصعيد الإقليمي.

تكفي العودة إلى تصرّف أوباما بعد استخدام بشّار الأسد السلاح الكيمياوي في حربه على شعبه صيف العام 2013 للتأكّد من الدور الأميركي السلبي الذي أوصل سورية إلى ما وصلت إليه.

حذّر الرئيس الأميركي، وقتذاك، بشّار الأسد من استخدام السلاح الكيمياوي ووصف استخدام هذا السلاح بأنّه «خط الحمر». استخدم النظام السوري السلاح في غوطة دمشق. لم يحصل شيء. لم يعد أوباما يرى اللون الأحمر!

مرّة أخرى، أي أميركا نصدّق في ضوء تغيّر الموقف العربي العام من النظام السوري؟

سيصبح ممكنا تصديق أن القوانين التي أقرّها الكونغرس مثل «قانون قيصر»، أو تلك التي سيقرها، ستؤدى إلى نتيجة ما... أي عندما تبيّن السياسة الأميركية، بالملموس وعبر الأفعال، أنّها ليست نقطة التقاء بين إسرائيل وايران.

في النهاية إن إسرائيل وايران تسعيان إلى تغيير تركيبة هذا البلد الذي كان يسمّي نفسه في الماضي القريب «قلب العروبة النابض»!