على مشارف الـ87 عاماً، يضع رجل الأعمال الكويتي الشاعر الأديب عبدالعزيز البابطين عصارة سنوات زاخرة بالشعر والثقافة والعطاء الإنساني، كللته بـ 17 شهادة دكتوراه و20 وساماً من الملوك والرؤساء، وكلها عزيزة على قلبه ونفسه، لكن أعزّها «وسام الكويت ذو الوشاح من الدرجة الأولى».
واسترجع البابطين في حديث خاص مع «الراي» ذكرياته الأولى مع الشعر، مؤكداً أن القصيدة الأولى له كانت نبطية عام 1949، حيث بدأ بالشعر النبطي ثم اتجه إلى الشعر الفصيح، وكانت أول قصيدة له في عام 1954، ثم غنى له الفنان صالح الحريبي عام 1978، وذلك تاريخ انطلاقة قصائده الغنائية عبر الإذاعة.
وخاض صاحب مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية، في شأن جمعه التجارة والأدب، معتبراً أن وضع المال في خدمة أهداف الثقافة، من شأنه تضييق الفجوة بين التجارة والشعر، ولهذا يسير الشاعر ورجل الأعمال فيه باتجاه واحد «لكنني أجد نفسي أكثر في الشعر».
ورثى الشاعر البابطين واقع اللغة العربية والهبوط الحاد الذي اعترى طلبة المدارس والجامعات في الوطن العربي، وطلبة اللغة العربية خصوصاً، لافتاً إلى ضرورة الاهتمام بطرق تدريس اللغة في المدارس والجامعات بمناهج متطورة. وإلى تفاصيل اللقاء.
• بداية، كيف وجدت اللقاء مع الفنان نبيل شعيل على تلفزيون «الراي»، خاصة وأنك أجريت مقابلات صحافية كثيرة ومتنوعة في السابق؟
- لم أشعر بأني أمام صحافي يسأل لينشر. وجدت نفسي أمام صديق أتبادل معه الحديث، لأننا نعرف بوشعيل منذ سنوات طويلة من خلال التلفزيون، فهو ليس غريباً عنا، ولا نحن غرباء عنه.
• كيف بدأت طريقك في الشعر؟ ومن صاحب الفضل في توجيهك واكتشاف موهبتك؟
- أخي الأكبر عبداللطيف البابطين، حيث كان يجتمع الشعراء في ديوانه خلال فترة الاربعينيات، وكنت أجلس معهم، رغم أنني كنت صغيراً في تلك الفترة.
• هل كنت تحب الشعر؟ وبمن تأثرت؟
- نعم بلا شك وقرأت للعديد من الشعراء، منهم عمر ابن ربيعة وجميل بثينة وعلي محمود طه.
• هل تذكر أول قصيدة كتبتها؟ ومتى كانت؟
- كانت نبطية عام 1949، حيث بدأت بالشعر النبطي، ثم اتجهت بعد ذلك إلى الشعر الفصيح. وكانت أول قصيدة لي في عام 1954 ثم غنى لي الفنان صالح الحريبي أغنية عام 1978، وهو تاريخ انطلاقة قصائدي الغنائية عبر الإذاعة.
• أصدرت ديوانك الأول «بوح البوادي» عام 1995. ما سبب التأخير؟
- كنت أعرض قصائدي في تلك الفترة على الأصدقاء المقربين فقط، والسبب هو الخجل من قصائد الغزل. ولم أفكر بجمعها في ديوان إلا في ذلك العام.
بين الأدب والاقتصاد
• أنت رجل أعمال ناجح، وفي الوقت نفسه أديب وشاعر له إسهاماته الثقافية الواسعة في الوطن العربي. أين تجد نفسك أكثر في الأدب أم في الاقتصاد؟
- في الحقيقة لكل جانب وقته واهتمامه، فالمال والأعمال هما إسهام في البناء الاقتصادي للحياة، وهو دور منوط بنا نحن البشر، ورسالة من أهم الرسالات الحياتية التي خصنا بها الله عز وجل، وكذلك هو الشعر، فهو نتاج العقل البشري الذي يدخل في بناء تكوين النفس البشرية، والحضارات الإنسانية ولذلك حيثما يوجد البناء الإنساني أجد نفسي.
وفي رأيي أيضا أنه عندما يوضع المال في خدمة أهداف الثقافة، فإن الفجوة تضيق دائما بين العمل أو التجارة والشعر، بحيث تصبح العلاقة بينهما موضوعية تماماً ولا تناقض بينهما أبدا، فالشعر غذاء للروح والعاطفة والمشاعر، والتجارة تجعلنا نقف على أقدامنا لمواجهة صعوبات الحياة والتغلب عليها، وأقول أخيراً بأن الشعر والتجارة لم يطغ أحدهما على الآخر... فالشاعر ورجل الأعمال عندي يسيران في اتجاه واحد، لكنني أجد نفسي أكثر في الشعر.
لغة الضاد
• بصفتك عضواً في المجمع اللغوي بدمشق. كيف ترى اهتمام الدول العربية في لغة الضاد؟ وكيف هي في الكويت ودول الخليج؟
- للأسف الاهتمام في اللغة العربية ليس على المستوى المطلوب في جميع الدول العربية من دون استثناء.
• كثيراً ما تتناول وسائل الإعلام في الكويت واقع اللغة العربية ومعاناتها وضعف الدارسين وبعض المدرسين. ما السبب؟
- حصل هبوط حاد بالعملية التعليمية عند طلبة الجامعة عموماً، وطلبة اللغة العربية خصوصاً، ونجد فعلاً ضعفاً كبيرا لدى طلبتنا، فبعضهم لا يستطيع كتابة جملة صحيحة التركيب، والأخطاء الإملائية والنحوية كثيرة، والتعبيرات اللغوية ركيكة لدى الطلبة، وقد رأينا ذلك عند كثيرين عندما يتقدمون للعمل لدينا.
• هل أنت راضٍ عن النصوص التي تدرس في المناهج الكويتية، وما هي مقترحاتك لتطوير تدريس اللغة العربية في المدارس الحكومية؟
- لم ترزق أمة في هذا الكون لغة، أكثر عمقاً وجمالاً وتعبيراً من لغتنا العربية، ولا أكثر منها شاعرية وتعبيراً ومفردات. والنصوص الشعرية كثيرة وفي كل الموضوعات، لذلك ينبغي أن يختار المعنيون في وزارة التربية حين يضعون مناهج اللغة العربية، القصائد التي يستوعبها الطلبة، والتي من شأنها أن ترتقي بأذواقهم، بعيداً عن التعقيد وتتدرج في المستوى حتى المرحلة الجامعية، وإلا سينفر الطالب من هذه النصوص، ومن دروس اللغة العربية.
كذلك دروس النحو العربي، يجب أن تكون مبسطة وسهلة التناول ومتدرجة في المستوى أيضا. وأؤكد على ضرورة الاهتمام بطرق تدريس اللغة العربية في المدارس والجامعات، وفق مناهج علمية متطورة، وإيلاء اعتناء خاص بالكتاب المدرسي وإخراجه بشكل جميل وجذاب يشجع على الإقبال عليه. ونحن في قناة البوادي نقدم دروساً في قواعد اللغة العربية، يقدمها أساتذة أكفاء، ومن شأن متابعتها، الاستفادة الكبيرة للطلبة.
مكتبة البابطين
• ماذا قدمت مكتبة البابطين لعشاق العربية في الكويت؟ وهل استفاد منها طلبة المدارس والجامعات ؟
- تقوم المكتبة بأداء دور مهم للدارسين والباحثين والطلبة وهواة الشعر، من خلال ما تحتويه من مراجع وكتب ومخطوطات ورسائل جامعية نادرة، ودواوين شعر للشعراء من مختلف العصور.
فالمكتبة أصبحت معلماً من معالم دولة الكويت الحضارية التي توضع ضمن برنامج زوار دولتنا الحبيبة على كافة المستويات، ولدينا سجل حافل بالزوار من زعماء العالم، وشخصيات بارزة سياسياً واجتماعياً وفكرياً وعلمياً.
ووفرت المكتبة خدماتها العديدة مجاناً أمام روادها، بما في ذلك خدمات تقنية متطورة، مثل سهولة البحث تقنياً وتمكين الباحثين من وسائل التكنولوجيا التي تقدمها المكتبة. ونعتبر أن مدى الاستفادة مفتوح لأي شخص يريد الاطلاع على محتويات مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي، بما يحقق المصلحة العلمية للعقل البشري في كافة أجياله.
جوائز وأوسمة
• حصلت على الكثير من الجوائز والأوسمة والشهادات طوال مسيرتك الثقافية، ماذا تعني لك اليوم وأيها أقرب إلى قلبك؟
- لقد حصلت على 17 شهادة دكتوراه فخرية من عدد من الجامعات العربية وغير العربية، وكذلك حصلت على نحو 20 وساماً من ملوك ورؤساء دول عربية وأجنبية.
ونظرتي إلى هذه الشهادات والأوسمة أنها تقدير لجهودنا في خدمة الثقافة والشعر والتراث الإنساني، وجهودنا في تعزيز ثقافة السلام العادل ونشرها في العالم، وهي أيضا تقدير أراه لكل المثقفين والشعراء والأدباء ولوطني العزيز الكويت وأمتي العربية، وكلها عزيزة على قلبي ونفسي، ولكنني أعتز دائماً بما نلته من تكريم من وطني الكويت، فقد قلدني المغفور له بإذن الله سمو الشيخ صباح الأحمد رحمه الله (وسام الكويت ذو الوشاح من الدرجة الأولى) نيابة عن أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد.
وأعرب سموه عن تقديره بجهودي في مجال الأدب والثقافة والشعر والعمل على نشرها في المحافل العربية والدولية، متمنياً لي الاستمرار في هذا النهج.