لن يكون 30 مارس في لبنان فقط، يومَ بدء العمل بالتوقيت الصيفي، بل ستعود معه أيضاً إلى الواجهة الاختناقاتُ المعيشية التي تقبض على أبناء «بلاد الأرز» على مدار الساعة والفصول الأربعة من السنوات العجاف التي تتوالى منذ خريف 2019.

وإذ كان لبنان يستعدّ لإسدالِ الستارة منتصف ليل الأربعاء - الخميس على الأزمة التي شكّل «عود ثقابها» تأخيرُ سريان تقديم الساعة حتى نهاية شهر رمضان المبارك وتحوّلت «جاذبة صواعق» سياسية - طائفية، عطّلها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتراجُعه تحت مظلة جلسةٍ لمجلس الوزراء عن قراره الذي اتّخذه بالتنسيق مع رئيس البرلمان نبيه بري، فإن العناوينَ المعيشية استعادتْ سريعاً صدارةَ المشهد الداخلي وسط مَخاوف متعاظمة من أن توقيتَ السقوط المريع لم يعُد بعيداً بحال استمرت الأطراف السياسية بتعميق الحفرة المالية عبر الإمعانِ في ترْك الانتخابات الرئاسية تدور في حلقة مفرغة يُخشى أن تتحوّل «قنبلةً فراغية» لا تُبْقي أي «حصنٍ» خارج دائرة... الانهيار.

وبعدما تَجاوَزَ البرلمان «قطوعاً» شكّله ارتفاعُ «المتاريس» السياسية خلال جلسةِ اللجان المشتركة التي صارت «حلبة ملاكمة كلامية» أعادتْ البلادَ إلى «خطوط تماس» الحرب الأهلية واحتواها بري بديبلوماسيةِ الهاتف مع رئيس حزب الكتائب سامي الجميل قبل أن يتّصل معاون الأول النائب علي حسن خليل، معتذراً عن وصف الجميل بأنه «مجرم ابن مجرم ومن عائلة مجرمة وعمّك (الرئيس بشير الجميل) ملوثة يداه بالدماء»، لم يَحُلْ إخمادُ «حريق الساعة» ولا قطْع فتيل «ساحة النجمة» دون تَأجُّج الملفات المعيشية التي «تغْلي على نار» الانهيار المالي الذي يقذف بلبنان إلى صدارة أسوأ مؤشرات التضخم ولوائحه التي حلّ الأول على إحداها في ما خص غلاء الغذاء «متقّدماً» على زيمبابوي.

هذا التضخّم بحلقاته الجهنّمية هو الذي يحرّك موظفي القطاع العام والعسكريين المتقاعدين الذين سيتظاهرون اليوم في وسط بيروت قبالة السرايا الحكومية رفْضاً لقرار صرف رواتبهم المحددة بالليرة على قاعدة تحويلها إلى الدولار على سعر صيرفة الأخير أي 90000 ليرة لكل دولار، مصرّين على سعرٍ بما بين 28500 وبالحد الأقصى 45 ألفاً وإلا تكون تآكلت كل الزيادات والمساعدات الاجتماعية التي تمّ لحْظها لهم أو هي في طور الإعداد.

وتسود الخشية من أن ينزلق التحرك إلى مواجهاتٍ على غرار ما حصل الأسبوع الماضي، حيث ارتسمتْ مشهدية حامية غابت عن الميدان لفترة طويلة، لاسيما أن رواتب موظفي القطاع العام والعسكريين المتقاعدين «تلتهمها» موجات التضخم المتوحش التي يزيد من لهيبها تحوُّل الدولرة واقعاً يتفشى في مختلف القطاعات، من السوبرماركت التي باتت تسّعر بالعملة الخضراء على الرفوف وتعتمد سلّماً متحركاً فورياً للأسعار التي تتقاضاها بالليرة وفق سعر السوق السوداء، إلى المحروقات، إذ باشرت المحطات اعتماد آليتيْ التسعير بالليرة والدولار على آلتيْن منفصلتين على أن يُحصر القبضُ بالعملة الخضراء متى خرجت السوق الموازية عن هوامشها المتوقَّعة وحكمتْها القفزات الجنونية.

وفيما كان إضرابُ موظفي هيئة «أوجيرو» المفتوح يُنْذِرُ باتساع «دومينو» توقف خدمات الاتصالات وبينها الانترنت الذي يواجه أيضاً صعوبات بفعل عدم قدرة الهيئة على القيام بالصيانات اللازمة وتوقف مولداتٍ بسبب نفاد المازوت أو الأعطال الميكانيكيّة وعدم توافر الأمول لشراء هذه المادة ولا قطع الغيار، حذّر وزير الاتصالات جوني القرم من تداعيات استمرار هذا الإضراب وما يسببه من مخاطر «أمنية واقتصادية، فسقوط أوجيرو يعني سقوط القطاعات الأخرى».

وتتدافع هذه الأزمات، فيما الملف الرئاسي لا يشي بأي اختراق قريب في ظل انطباعٍ بأن «الحروب الصغيرة» على الساعة أو على «دفاتر الماضي» والتسابُق على توفير مبرراتٍ لعدم إجراء الانتخابات البلدية في مايو المقبل وتَقاذُف المسؤولية ضمناً عن هذا المآل، تشكّل أحد عوارض الاقتناع بأن ساعة الفَرَج الرئاسي لم تدقّ بعد، في ظل خشية من ألا يكون الحلّ إلا بعد «انفجارٍ» تبرز مخاوف من أن يسبق محاولات الخارج إقناع اللبنانيين بضرورة القيام بما عليهم قبل فوات الأوان، وسط تقارير إعلامية في بيروت تشيع أن ثمة مساعي لعقْد مؤتمر حول لبنان في القاهرة يجمع القوى المحلية الفاعلة، وترعاه الدول الخمس التي عقد ممثلون لها اجتماعاً في باريس الشهر الماضي (فرنسا، الولايات المتحدة، السعودية، مصر وقطر) زائد واحد أي إيران، في محاولة للوصول إلى تسوية على رئيس من خارج الأسماء المتداولة بما فيها سليمان فرنجية.

في موازاة ذلك، بدا أن ميقاتي أنهى التأويلات عن اعتكافٍ هو في طوره ربْطاً بارتداداتِ «عاصفة الساعة» التي بدا أنه تُرك وحيداً لتلقّي تشظياتها التي أصابتْ أيضاً بري.

وكان بارزاً أن ميقاتي، الذي عاد إلى السرايا الحكومية أمس، بعدما لازم منزله الثلاثاء، استهلّ نشاطه باستقبال السفير السعودي وليد بخاري، الذي أكد «ضرورة مواصلة الجهود المُشتركة لحض قادة لبنان على انتخاب رئيس للجمهورية والمضي قدماً في الإصلاحات الجذرية».

وتَرافق ذلك مع تقارير أشارت إلى «ميقاتي موديل التوقيت الصيفي» وُلد بعد «تجربة الساعة»، وأنه سيدير المرحلة المقبلة وفق ما عبّرت عنه «قواعد الاشتباك» التي أطلت برأسها في «معركة التوقيت الصيفي - الشتوي»، وسط نفي أوساط قريبة منه أن يكون في وارد الاعتكاف او «اتخاذ خطوات انفعالية وغير مدروسة» ولكنه «سيعتمد نمطاً جديداً في التعاطي الحكومي خلال مرحلة تصريف الأعمال، على قاعدة أن الجميع شركاء بالمسؤولية ولا يمكن رمي الامور كلها على رئيس الحكومة، فيما الأطراف الاخرى المعنية، ومنها المُشارِكة في الحكومة ترسم اجنداتها الخاصة دون الأخذ في الاعتبار التماسك المطلوب بهذه المرحلة المفصلية».

وبحسب موقع «لبنان 24» فقد أبلغ ميقاتي، الذي غادر الى السعودية مع عائلته لاداء مناسك العمرة على ان يعود الى بيروت بعد يومين، «جميع المعنيين بموقفه الواضح ومفاده ان الجميع عليهم واجب المشاركة بتحمل المسؤولية لا استخدام موقع رئاسة الحكومة كمتراس يتلطون خلفه لتنفيذ»أجندات وحسابات خاصة«، على غرار ما حصل في محطات سابقة وآخِرها موضوع»التوقيت".