إذا كنت تسير بسيارتك في شارع، ووجدت لافتة وضعتها جهة حكومية مكتوب فيها «استخدامك لآلة التنبيه يوقعك تحت طائلة القانون»... والمقصود بآلة التنبيه «الهرن» أو بوق سيارتك وذلك لكي لا تسبّب الإزعاج للساكنين في المنطقة.
فإذا كنت عزيزي القارئ ممن لديهم مهارة القدرة على التقاط العادي وتحويله إلى أدب، وكنت عميقاً بما يكفي لكي تُحول هذه العبارة المبتذلة والاعتيادية إلى نص مكتوب ومنشور بين الناس ويُحيل إلى معانٍ أخرى غير المقصودة... فأهلا بك في صنف جديد من صنوف الكتابة.
إذا كنت متابعاً جيّداً لعالم «السوشيال ميديا» أو كنت تسكن في مناطق من النوع الذي يكتب الناس على جدران جيرانهم... فسيكون هذا المقال مهماً لفهم ما يحدث حولك.
ظهر الكاتب القادر على تحويل الاعتيادي إلى أدب عبر مدوناته وتغريداته، ففي الآونة الأخيرة ظهرت عبارات مثل «يمنع دخول الكلاب والدرّاجات الهوائية» كشكل أدبي يهتم به الكثيرون، رغم أنها عبارة من الممكن أن توجد في أي حديقة أو مكتبة عامة، ولكن بمجرد أن نضعها بين قوسين في مدونة ونكتبها في سياق رومانسي من طرف واحد، حتى تأخذنا فوراً من إحالتها العامة والاعتيادية إلى إحالتها الخاصة والخيالية، وقد أبدع في ذلك الكتّاب الرقميون المغمورون في عالم «تويتر» و«الإنستغرام» و«الفيس بوك»، عبر ممارسة نوع من الإحالة من حالة عامة إلى حالة خاصة للكلمات والعبارات، وليس للأمر هنا علاقة بالبلاغة بل بالأدب.
إن من الممكن لملاحظة مكتوبة على باب مترو الأنفاق مثل «لا تستعجل الدخول قبل فتح الأبواب» هذه الملاحظة قد تتحول إلى معنى أدبي إذا قيلت في سياق روائي بين طرفين يتبادلان الحب من طرف واحد!
مثلاً «إن الأشياء تبدو أقرب مما هي عليه في الواقع» هذه العبارة الموجودة على المرايا الجانبية لكل سيارة، تم استخدامها بشكل إبداعي للتدليل على معانٍ ومشاعر متعدّدة.
إن هذه الأمثلة قد تعطيني الحق أن أتساءل حول قوة الأدب، هل هي في الكلمة أم المعنى أم في شكل الانحياز؟ في المعرفة أم في الخيال؟ في المكتوب أم في السياق؟ لا شك أنني لست من المحظوظين الذين تتلمذوا على قلم الروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، رحمه الله، ولكن العبارة التي قرّر معرض الكتاب في 2018م اعتمادها على صورته: الفعل الكتابي... وظيفة إنسانية بالأساس.
هذه العبارة جعلتني أتساءل، هل يمكن لبعض النصوص أن تتحول إلى أدب في سياق ولا تعتبر أدباً في سياق آخر؟ وهل يمكن لقطعة من الكتابة كتبها كارل ماركس، أو ابن الهيثم، مثلاً على اعتبارها نصاً تاريخياً أو علمياً أو فلسفياً فتتحول بقدرة قادر إلى نص أدبي؟ وهل النصوص الأدبية تُولد أدبية أم أن ما هو أدبي اليوم قد لا يصبح أدبياً بعد تحولات هائلة وما لم يكن أدبياً قد يتحول إلى أدبي بعد دراسات ونقد وإحالات؟ هل وضع الجمل بين الأقواس يحول الاعتيادي إلى أدب؟ هل يمكننا النظر إلى «منيو المطعم» وأصناف الطعام والكلمات المذكورة بجانبها (الصنف... السعر..) على أنها أدب لمجرد أن أحيلها إلى إحالة خاصة أقول فيها إن لكل نوع من البشر سعراً مادياً... وبعضهم حامض وبعضهم صناعي كالصلصة!...لا أملك إجابات. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر.
moh1alatwan@