رسم محللون سياسيون وخبراء عبر «الراي» رؤية تحليلة للاتفاق السعودي - الإيراني الذي تم الإعلان عنه أول من أمس في شأن استئناف العلاقات بين البلدين، مؤكدين أننا «أمام مشهد جديد طال انتظاره، وثمة إمكانية للعب الكويت دوراً مهماً في هذا المشهد».
ورأوا أن «هذا التطور يعني أن دول الخليج باتت تنظر شرقاً، لكن جميع السيناريوهات مطروحة في أعقاب الاتفاق، نظراً لصعوبة التوقعات»، لافتين إلى ضرورة ترقب نتائج إجراءات بناء الثقة، التي تعتبر الخطوات الأصعب.
وأكدوا أن السعودية «مملكة الحزم»، انطلاقاً من موقعها العربي والخليجي والإسلامي، حريصة على إرساء الاستقرار وصنع السلام في المنطقة، ودفع عجلة التنمية، بما يصب في صالح شعوب المنطقة.
سهر لـ «الراي»: متفائل بحذر واستشرفت هذا الاتفاق منذ مدة طويلة
قال أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبدالله سهر لـ «الراي»، «كان لدي استشراف منذ مدة طويلة لهذا الاتفاق وقدمته في ورقة بحثية في مايو الماضي»، لافتاً إلى أن «هذه الخطوة المنتظرة يجب أن تكون استراتيجية وليست تكتيكية، وأنا كنت من المنادين بهذا الأمر».
ولفت إلى أن «الكويت معروفة بسياستها الوسطية ويمكن أن تكون أحد المكونات الأساسية في هذه الإستراتيجية ومحطة رئيسية لها»، مشيراً إلى أن «الفرصة سانحة أمام الكويت ويجب المبادرة للعب دور فعال لأن الكويت مؤهلة لذلك».
وذكر سهر أن «دول الخليج تكبدت قرابة أربعة تريليونات دولار منذ العام 1980 وحتى الآن، كخسائر جراء الحروب التي وقعت في المنطقة، فضلاً عن آلاف الضحايا بسبب العلاقات الخليجية - الإيرانية المتوترة».
وأشار إلى أنه «متفائل ولكن بحذر، خصوصاً أن الجانب الأميركي غير مرتاح لهذه الخطوة، والكيان الصهيوني هو المتضرر الأكبر منها بسبب توجهه لجعل دول الخليج بؤرة عدم استقرار».
وكان سهر قد ذكر في دراسته أن «دول الخليج بما تمتلكه من مخزون استراتيجي للطاقة وموقع استراتيجي، بحاجة الى تبني مجموعة من السياسات التي من شأنها أن تحقق لها مصالحها وفق المرتكزات والمحددات الجديدة التي سيفرضها هذا النظام الدولي. وبما أن الصين هي من الدول العظمى المرشحة لصدارة سلم القوى الدولي فلابد من تعزيز العلاقات مع مجموعة دول الخليج بشكل مختلف عما انتهجته واشنطن في تعاملاتها مع دول المنطقة، بما في ذلك كل من إيران والعراق».
النجار لـ «الراي»: نجاح الاتفاق سيكون مفتاحاً لملفات أخرى في المنطقة
أكد أستاذ العلوم السياسة الدكتور غانم النجار لـ«الراي»، أن «الاتفاق لم يأتِ من فراغ أو صدفة، بل هو حصاد اجتماعات إيرانية - سعودية بعضها معلن والبعض الآخر غير معلن»، معتبراً أنه «إذا أحسن استخدام هذا الملف فنحن على الطريق الصحيح، وللمرة الأولى يكون هناك ضامن مثل الصين».
وشدد على أنه «لا أحد يستطيع أن يتوقع بشكل واضح مآلات هذا الاتفاق، لأن كل السيناريوهات مطروحة، وأتصور أن أميركا كان لديها علم به».
واعتبر أنه «في حال نجاح الاتفاق فسيكون مفتاحاً لملفات أخرى بعيدة المدى في المنطقة، فقد بدأنا خطوة لكن تبقى الخطوات الأصعب وإجراءات بناء الثقة قد تطول وقد تقصر، لكن الاتفاق في مصلحة الطرفين، ودخول الصين له دور مهم».
ولفت النجار إلى أنه «ينبغي أن ننتبه إلى توقيت الإعلان عن الاتفاق حيث جاء بعد تنصيب الرئيس الصيني، والصين بحكم استثماراتها تستطيع التدخل في عدد من الأماكن حول العالم من أجل الاستقرار»، معتبراً أن «أي تفاوض لا يمكن أن ينجح إلا إذا شعر الأطراف بحاجتهم لنتيجته، وبالتأكيد فإن إسرائيل ليست مرتاحة لهكذا اتفاق».
الهدبان لـ «الراي»: الرعاية الصينية تعطي ثقلاً إقليمياً ودولياً
لفت أستاذ العلوم السياسية الدكتور إبراهيم الهدبان، في تصريح لـ «الراي»، إلى أن «التقارب الإيراني - السعودي برعاية الصين سيؤدي إلى تهدئة التوتر القائم في منطقة الخليج بسبب التصعيد الإسرائيلي الأميركي والخلاف حول البرنامج النووي الإيراني والتصعيد الحاصل على الساحة السورية واليمنية والعراقية واللبنانية»، مشيراً إلى أن «الرعاية الصينية للاتفاق تعطيه ثقلاً إقليمياً ودولياً وتضمن استمراره نسبياً، وعدم خرقه أو التراجع عنه».
وذكر الهدبان أنه «في الوقت الذي يدق فيه الكيان الصهيوني طبول الحرب، ويستهدف التواجد الإيراني في سورية ويدعو للمواجهة مع إيران، تتخذ المملكة اتجاهاً يدعو إلى التهدئة وإبعاد المنطقة عن شبح الحرب الذي يمكن أن يؤدي إلى دمار في المنطقة، بما في ذلك إيران ودول مجلس التعاون الخليجي والعراق واليمن»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه «من ناحية أخرى فإن الاتفاق يُمَكِن للمشروع التنموي السعودي - الخليجي برعاية الصين، ويرسل رسالة واضحة للولايات المتحدة والغرب بأن الخليج ينظر شرقاً لتحقيق الأمن والتنمية، عوضاً عن الاستمرار على الاعتماد على الولايات المتحدة والغرب الذي يظهر تخبطاً في سياساته تجاه الشرق الأوسط والخليج العربي وآسيا بشكل عام».
وعن دلالات الرعاية الصينية للاتفاق، قال الهدبان «الرعاية الصينية تعطي وزناً وثقلاً للاتفاق، وتضمن نوعاً من الالتزام والاستمرارية. كما أنها ترسل رسالة للولايات المتحدة مفادها أن دول المنطقة لم تعد ملتزمة بالرؤية الأميركية لتحديد الأصدقاء والأعداء، وأنه من الآن فصاعداً سيكون لها بوصلتها الخاصة التي ترعى مصالحها الأمنية والسياسية والاقتصادية»، مستدركاً بالقول إن «دول المنطقة مازالت تحافظ على علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة لكنها تفتح طريقاً بديلاً وترسل رسالة للغرب والولايات المتحدة بأن زمن التبعية العمياء قد انتهى».
المكيمي لـ «الراي»: انعكاسات إيجابية على أمن واستقرار الخليج
رأت أستاذة العلوم السياسية الدكتورة هيلة المكيمي، في تصريح لـ «الراي»، أن «التقارب الإيراني - السعودي يعد ركيزة أساسية لأمن الخليج، وهذا بدوره لابد أن يتداخل مع الأمن الإقليمي الشامل»، مشيرة إلى أن «إيران والسعودية هما القوى الإقليمية ذات التأثير المباشر في أمن الخليج، وبذلك فأي تقارب أو تنافر بينهما يؤثر مباشرة بالمنظومة الأمنية الخليجية».
وحول الوساطة الصينية، قالت المكيمي إنها «تعكس احترافية صانع القرار الصيني، لاسيما أنها أول وساطة إقليمية، حيث اختارت أكثر الملفات حساسية وتعقيداً، كما جاءت تلك الوساطة لتسد ما أخفق فيه الغرب مراراً وتكراراً في معالجة الملف الإيراني، والذي اعتمد السرية وتجهيل الخليج والاقتصار على الملف النووي من دون التطرق للسلوك الايراني في التدخل في شؤون دول الجوار، وكان ذلك سبباً رئيساً لفشل ملف الاتفاق النووي الإيراني والذي قام بالانسحاب منه الرئيس الأميركي السابق ترامب في عام 2018. ولا يزال هذا الملف مترنحاً حتى الآن. وقد يساهم هذا النهج الصيني في تصحيح مسار الوساطات الغربية مستقبلاً»، مؤكدة أن «العلاقات الخليجية - العربية ستبقى وطيدة وأساسية للحفاظ على أمن الخليج، نظراً للشراكات القائمة، لاسيما في المجال الأمني والعسكري».
3 عوامل مهمة
اعتبرت المكيمي أن أهمية الاتفاق تكمن في ثلاثة مرتكزات، هي:
1- أنه جاء بعد محادثات استمرت نحو عامين، ساهمت بتعزيزها الكثير من الدول الإقليمية وليس الصين فحسب، وبذلك فهو جاء بمثابة مواءمة إقليمية.
2- طرح هذا الاتفاق قضايا بالغة الحساسية لأمن الخليج والتي تشكل مطالب دول الخليج منذ سنوات، تتمثل بعدم التدخل الايراني في شؤون دول الجوار واحترام سيادتها والتوقف عن دعم الميليشيات وخروجها من الدول العربية.
3- أن هذا الإعلان مشروط بمراقبة السلوك الإيراني ومن ثم عودة السفراء والعلاقات الديبلوماسية، وهو شرط مهم من شروط اجراءات بناء الثقة بين البلدين، لاسيما أن هناك وعوداً سابقة لم تلتزم بها إيران، لذلك فتلك الشروط ستعطي فرصة لدول الخليج لمراقبة تحسن السلوك الايراني والذي سينعكس إيجاباً على العديد من الملفات التي تعزز الأمن الإقليمي.
عايد المناع لـ «الراي»: نريد إيران في إيران... مع علاقات طيبة مع الجميع
شدد المحلل السياسي الدكتور عايد المناع، في تصريح لـ «الراي»، على أن «أي خطوة للتصالح بين الدول والفرقاء، هي لا شك لصالح الطرفين طالما أنه لديهما الإمكانات المتقاربة»، مشيراً إلى أن «إيران تعاني من عقوبات اقتصادية وأوضاع داخلية تصل لحد الفقر المدقع وانتفاضات شعبية، وكان يفترض ألا تعمل على إثارة أزمات في دول الجوار، لكن للأسف تدخلت في العراق ولبنان وسورية واليمن، وهذه الحالة سببت لنا هواجس في منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية».
وتابع أن «السعودية كررت مراراً أنها تنظر لإيران كدولة جارة ومهمة وأنه لابد من علاقات طيبة معها، شرط أن تكف عن التدخل في الشؤون الداخلية، كما كان هناك حرص على تمكين الحجاج الإيرانين من أن يؤدوا فرائضهم برعاية سعودية»، متابعاً «هذه خطوة متقدمة والكل في الخليج باركها شريطة أن يتم الالتزام من قبل إيران على وجه الخصوص بعدم التدخل في أي شأن خليجي وعربي، وقد لا يكون الأمر سهلاً على إيران ولكن نريد أفعالاً».
واختتم بالقول: «نريد مرحلة جديدة مختلفة عن السابق، نريد إيران في إيران ولها علاقات طيبة معنا جميعاً من المحيط إلى الخليج، على أن تكون تلك العلاقات عادية وطبيعية وليست تحريضية وليست توسعية على الإطلاق، ونأمل أن يكون هذا الاتفاق فاتحة خير».