إنّ الاحتفالات الوطنية تمثل مناسبة ذات أهمية خاصة للكويتيين، فهي تذكّر الجميع بالاستقلال وكل الجهود التي بُذلت لتكون الكويت دولة عربية إسلامية مستقلة لها كيانها وإرادتها الخاصة، والتكاتف الدولي لتحريرها من الغزو العراقي الغاشم، وإعادة الشرعية الحاكمة للدولة، ولكل مناسبة منهما دلالات ليست للكويتيين فقط، بل لكل شعوب العالم في دفع الظلم والعدوان من جهة، ومن جهة أخرى بناء الدول والتحرر من الاستعمار.

ولذلك يتم الاحتفال فيه تخليداً لهذا الحدث المميز، وكذلك تجديداً لذكرى العيد الوطني، تحت شعار (نرفع عَلمنا ونفتخر) وذلك دعوة لأبنائها المخلصين لرفع رايات بلادهم عالياً والفخر والاعتزاز بها.

وأهمية الاحتفالات الوطنية الهدف منها تحقيق أهداف نبيلة وسامية منها:

- تعميق الانتماء والولاء للوطن وفرصة جيدة لتعزيز الهوية الوطنية وترسيخ جذور الانتماء في نفوس الشباب، وتذكير الأجيال اللاحقة بما قدمه أسلافهم من تضحيات في سبيل نصرة وطنهم، وأخذ العبرة والعظة، واستلهام روح الإرادة والعزيمة باستذكار ما سجلوه من أروع البطولات الوطنية والمواقف الشجاعة التي لا شك تدعم عملية التنشئة الوطنية وتزرع في العقول حب الوطن.

ولذلك، الاحتفال بالأعياد الوطنية واجب وطني، لاسيما ونحن نعيش في بلد الخير والتي يجب أن تكون بالحمد والثناء والشكر لله على هذه النعم التي رزقنا المولى عز وجل بها.

لكن عدم تنظيم المهرجانات بطريقة حضارية في الأعياد أدى إلى الإخفاق فى الوصول إلى الغاية السامية والأهداف المتوقعة بأن القادم أفضل فانقلبت المقاييس حتى غدا القادم أسوأ؟

إن ما يتكرر من مشهد مؤلم في شارع الخليج منذ سنوات أثناء الاحتفال بالعيد الوطني مؤشر على الإخفاق الإداري والتنظيمي لمؤسسات الدولة وعدم تنظيم المهرجانات الشعبية بطريقة حضارية.

أدى غياب ثقافة الاحتفال إلى نشر سلوكيات غير مرغوبة وإساءة للوطن والأفراد بسوء التنظيم، وسادت آثار سلبية تُصاحب الاحتفالات الوطنية على سبيل المثال:

معاكسات... اعتداء على الممتلكات العامة... والتعدي على حرية الأفراد بفتح أبواب السيارات ومن ثم القذف بما لديهم من بالونات وبنادق الرش والهدر في المياه العذبة نتيجة التقاذف، ناهيك القيام باستخدام مواد جامدة (حصى / ثلج / تيلة/...) وأخرى سائلة (مواد التنظيف/ وغيرها من السوائل الضارة).

والعقبة الأهم الاختناق المروري وتعطيل حركة السير؟

وهنا يجب أن يتم تقييم نتائج تلك الفعالية بإيجابياتها وسلبياتها هل كانت ناجحة أم لا؟

نتوجه بهذه التساؤلات إلى المسؤولين عن إدارة تلك الاحتفالات:

1 - هل استخدام تلك المواد من بالونات وتقاذف هو الغاية والهدف من الفعالية الرئيسية للأعياد الوطنية؟

2 - هل دور عمال النظافة رفع المخلفات المرمية على طول موقع الاحتفال؟

3 - هل إدارة المرور تمكنت من عملية التنظيم وانسيابية مرور المركبات بالطرقات؟

4 - هل إلغاء حارة الأمان كان قراراً سليماً؟ خصوصاً عندما اكتظت السيارات بشارع الفحيحيل ولم تتمكن أي مركبة من المرور؟

5 - امتداد الاحتفال ليوم 28 /2 (يوم عمل رسمي) هل هو قرار صائب؟

6 - أليس مهمة منتسبي البيئة والبلدية و«التجارة» و«الداخلية» مخالفة كل مَن يتعدى على الممتلكات العامة والخاصة والبيئية؟

7 - السيارات العالقة في الطرقات بما فيها ركاب (اطفال، كبار سن ومرضى) لساعات مسؤولية مَن؟

8 - هل ما حدث من إصابات بالقرنية للعديد من المصابين أمر مقبول؟

(إيجابيات الاحتفالية)

- المشاركة الكبرى التي جمعت نسبة كبيرة من أفراد الأسرة والتي شملت الجميع من كويتيين وخليجيين ووافدين وذلك دلالة على مدى الحاجة إلى إحياء البرامج الترفيهية والاحتفالية.

- مشاركة الأطفال في الاحتفالات دلالة على البحث عن الترفية والفرح ومدى الشغف إلى الأماكن والمدن الترفيهية التي ندرت وجودها بالوطن.

- مشاركة رجال الأمن وتواجدهم بالطرقات لساعات طويلة للقيام بمحاولة التنظيم جهد فردي يستحق الشكر.

(حان الأوان)

- العودة إلى إقامة الاحتفالات الكبرى بصورة أفضل، والمطلوب هو اهتمام ورعاية خاصة من أساتذة متخصصين لوضع استراتيجية ناجحة وذلك لضمان عدم تكرار ما يعكر صفاء هذه الأعياد في المستقبل.

- العودة إلى الاحتفالات والكرنفالات السابقة والتي كانت تشرف عليها الدولة بمشاركة فاعلة من كل الوزارات الحكومية / والمؤسسات والشركات والقطاع الخاصة.

- أتذكرُ كنتُ مشاركاً في أحد الاحتفالات وكنت طالباً بالثانوية العامة، وشارع الخليج العربي يغلق تماماً من أبراج الكويت وحتى الجزيرة الخضراء تسير قوافل الشاحنات المشاركة لكل مؤسسة مزيّنة بالأعلام الوطنية والأهازيج الوطنية. يبدأ بالعرض العسكري للمعدات الحربية، يتبعها عرض الفرقة العسكرية للموسيقى (القرب)، وأفراد الأسرة متراصين جنباً إلى جنب على جانبي الطريق جلوساً ووقوفاً، ويتم توزيع الورود والحلوى والهدايا (أقلام، ميداليات، باجات وأعلام) وبعض الأطعمة (بسكويت / شيبسي/ فطائر/ عصائر / ماء...)، وبعد الانتهاء من ذلك العرض تتبعها استعراض الطائرات الحربية، وتختتم بعرض الألعاب النارية دون أن يتعرض أي فرد للأذى والتجريح بل الفرح والسرور والبهجة هي السائدة.

- بناء مدن ترفيهية كبرى للألعاب وإعادة فتح حديقة الحيوان، وكذلك ترسيخ مبدأ الحفاظ على المياه، فالمياه عصب الحياة وعرفنا قيمته عندما حرمنا منه في أيام الغزو، وكان استهلاكنا له بالترشيد التام، ولذلك لا يجوز هدر هذه النعمة الكبرى.

- الهيئة العامة للشباب ومراكز الشباب لها دور كبير بإحياء تلك الاحتفالات من خلال إقامة مجموعة من الأنشطة والمسابقات الرياضية المتنوعة لتكون جاذبة للشباب، والمشاركة بفتح الملاعب الرياضية لاستضافة المواطنين والمقيمين للاحتفال بالأعياد بصورة لائقة.

- العودة إلى إقامة الفعاليات السابقة منها الترفيهي والفني والرياضي (إحياء الفن المسرحي الغنائي، المنتديات الشعرية الفنون الشعبية والغنائية، والسيرك العالمي والفنون التشكيلية، إقامة دورات رياضية...).

- تفعيل العمل التطوعي باستقطاب أفراد المجتمع المدني بتنظيف الحدائق والشواطئ بعد نهاية الاحتفالات لتنمية حس المسؤولية وإبراز ذلك أمام الأبناء لبناء قدوة إيجابية لديهم.

- إن كانت كل محافظة تقوم باختيار الموقع المناسب للاحتفال بالتأكيد سيتم التغلب على الاختناقات المرورية إن حُدّدت بمكان واحد، في السابق كانت محافظة الأحمدي تقوم بهذا الدور الوطني الجبار فنحن بأمس الحاجة إلى التنسيق مع كل المحافظات لإنجاح تلك الفعالية.

(نموذج النجاح)

- منذ أشهر قليلة مضت نظّمت دولة قطر فعاليات كأس العالم ونجحت بامتياز باستقطاب هذه الأعداد الكبيرة من المشاركين دون اختناقات مرورية، وذلك دلالة على أن التنظيم أمره هين إن تمت الاستعانة بمن يتميز بالكفاءة والفكر الإبداعي. وكذلك المملكة العربية السعودية ونجاحها في تنظيم الملايين من الحجيج في موسم الحج.

ومضة وطنية:

كنموذج وطني فريد، أعجبني تصرف مربٍ فاضل مدير إحدى المدارس في محافظة حولي، حيث قام بمبادرة وطنية بالتنسيق مع أحد الوجهاء بتجهيز وتنظيم رحلة أسرية للاحتفال بفعاليات الأعياد الوطنية في إحدى المزارع في منطقة العبدلي، تكفل الوجيه بكل المصاريف شملت الوجبات الغذائية والضيافة لمدة يومين متواصلين (25 / 26 فبراير) وتوفير 14حافلة لنقل المشاركين، كل حافلة سعة 40 فرداً، شملت الطلبة والمعلمين مع أسرهم الكريمة من مواطنين ومقيمين في منطقة تجمع محددة، ومن ثم التوجه إلى موقع الاحتفال، تخللتها أنشطة متعددة لاقت رضا الجميع نجاحاً وتأييداً، دون أي مضايقات أو تعدٍ على الآخرين.

أتمنى أن تتكرّر مثل هذه الفعاليات في الأعياد المقبلة بمشاركة جميع رجال ووجهاء الوطن، وكذلك دعوة للحكومة بأن تشمل برعايتها هذه المشاركات الشعبية كي تتم تعميمها بصورة أشمل.

إن الاحتفالات بالأعياد الوطنية تؤكد تواصلنا وولاءنا للوطن، وكذلك هي رسالة شكر وعرفان وتذكير لشهدائنا الأبرار الذين أفنوا أعمارهم في سبيل حرية الكويت.

وتلك المهرجانات ما هي إلّا تعبير صادق عن حب الأوطان وذكرى لشهدائنا الأبرار، ولذلك الواجب على كل جيل بأن ينقل هذه الأحداث للجيل القادم، ورحم الله جميع شهداء الوطن.

لقد امتزجت دماؤكم بتراب هذه الأرض الطيبة لتبقى الكويت حرة شامخة على مدى السنين.

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ

بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ

اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمد لله رب العالمين.