إليكم هذه المشاهد:
- مر عليّ فلان وعدى ولم يسلم عليّ؟
- والله ان شفتها عين بعين وتجاهلتني كنت أكلمه عن مشكلة مهمة وماكان معي، سارح وشارد ما يحبني.
- صادفته في المصعد خرج وشافني، متأكد!
- كنت أشكي له وتركني وما علق؟
- سألت عن أمر أجابني عن أمر ثاني، مو مركز معي.
إن كثيراً من المشاكل تحدث بيننا بسبب إطلاق أحكام مسبقة على الحدث الذي حصل، والغريب والمذهل أن صاحب السرد في الحدث لديه مصدر موثوق وهو عيناه أو حواسه بأن فلان يستحق هذا الحكم متجاهلاً أو لم يتعلم أو أهمل الصورة الكاملة للأشياء، أو في الحكم على الشيء.
في علم النفس هناك نظرية جميلة تُدعى نظرية «الجشتطلت»، وهي كلمة يونانية تعني الكل والتي تقول إن كل شيء يبدأ من الكل للجزء ثم نبين علاقة الكل بأجزائه، ثم إدراك علاقة الأجزاء ببعضها واستبعاد المعيقات المعرفية، ثم وضع خبرة جديدة للموقف نفسه. هناك وجهات نظر كلي فجميعنا لا ندرك الادراك ذاته، ولنحصل على إدراك منظم علينا أن ننظر للعالم نظرة كلية وليست أجزاء متفرقة، وأن حكمنا على شيء نحن نرجع لمرجعيتنا المعرفية. لذلك، إن كان الأمر يحتاج مرونة في الحكم، فالحكم الكلي بالصورة كاملة ثم العدل في تفسير كل جزء يشملك أنت دون تجاهل الجزء المعني فيه الطرف الآخر.
أي أن هناك رواية أخرى لتصرفات الناس، لا نكون مشمولين فيها أبداً.
فهي تخص حياتهم وأسلوبها وتقلباتها وانعطافاتها وتفاصيلها، فكون أننا شهدنا ردة فعل من شخص لا يعني أن ردة الفعل تعني الموقف، بل ممكن أن تعني ما قبل الموقف أو ما بعده، أو لا تعني شيئاً. كيف يكون ذلك؟ نعيد مراجعة المشاهد السابقة -مر عليّ فلان وعدى ولم يسلم عليّ؟ قد يكون سرحان بهم وبما يخصه، ولم يكن مع العالم، أو موجود باللحظة وهو خارجها وبعيد عنها، عقله الباطن من يتحكم به، هو غير موجود. -والله اني شفتها عين بعين وتجاهلتني، قد تكون مذهولة من سماع أمر كدرها للتو ومصدومة وحاسة البصر مع الصدمة لا ترى بالنظر بل مشغولة بالقلب. -صادفته في المصعد خرج وشافني، متأكد! قد يكون لديه اضطراب نفسي أو عقلي لا تعلم عنه ما يعانيه مع نفسه ولا يستطيع الاعتراف به أمام الآخرين.
كنت أشكي له وتركني وما علق؟ قد يكون لديه صعوبة في التعبير عن المشاعر أو فهم الاخرين ولا يعرف كيف يعبر لك.
سألت عن أمر أجابني عن أمر ثاني، مو مركز معي؟ قد يكون لديه مشاكل في الفهم والتركيز ومعالجة المعلومات وعدم القدرة على استيعابها وتنظيمها.
أي بمعنى متعارف عليه في حياتنا هو «إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره، فالتمس له عذراً واحداً إلى سبعين عذراً، فإن أصبته وإلا قل: لعل له عذراً لا أعرفه».
لا تقل لماذا، بل قل لعله مهموم، لعله محتار، لعله يعاني، لعله منكوب، لعله غير موجود.
جرب من اليوم أن تغير كلمة لماذا إلى لعل، ولاحظ جودة علاقاتك بعد ذلك.
Instagram& twitter @drnadiaalkhaldi