أفاد بنك الكويت الوطني بأن المؤشرات الاقتصادية في الكويت سجلت أداءً قوياً في الربع الرابع من عام 2022، وذلك في ظل تحسن الإنفاق الاستهلاكي والطلب على الائتمان، في حين حافظ النشاط العقاري على أداء جيد وسط تصاعد الرياح المعاكسة للاقتصاد العالمي وتشديد الأوضاع النقدية.
ولفت «الوطني» في تقرير له إلى أن وتيرة النمو لبعض المؤشرات اعتدلت مع بداية الربع الرابع من 2022 بعد تسارع وتيرة هذه الأنشطة في الفترات السابقة، وذلك على خلفية مزيج من العوامل التي تضمنت تلاشي الطلب المكبوت بعد الجائحة وتأثيرات قاعدة الأساس، كما تباطأ معدل التضخم الكلي، الذي أنهى العام الماضي عند مستوى 3.2 في المئة مقابل 4.7 في المئة في أبريل، وتمكنت أسعار النفط من عكس بعض التراجعات التي شهدتها في وقت سابق والتي كانت مرتبطة بالمخاوف المتعلقة بالركود العالمي، حيث عادت لتسجل مكاسب سنوية بأكثر من 10 في المئة (مزيج خام برنت) في نهاية ديسمبر.
ومن جهة أخرى، أشار التقرير إلى أن الحكومة كشفت عن مسودة موازنة توسعية للسنة المالية المقبلة (2023/ 2024)، والتي تضمنت زيادة في النفقات لمستويات قياسية، منوهاً إلى أن الموقف المالي المقترح سيدعم الاستهلاك والنشاط الاقتصادي في 2023، وإن لم يتضمن إجراءات كافية لتعزيز الاستدامة المالية على المدى المتوسط.
أسعار النفط
وذكر «الوطني» أن سعر خام التصدير الكويتي أنهى تداولات 2022 عند مستوى 82 دولاراً للبرميل، متراجعاً بـ14.6 في المئة على أساس ربع سنوي، إلا أنه ارتفع بـ3.5 في المئة على أساس سنوي بنهاية العام، ليسجل بذلك مكاسب للعام الثاني على التوالي بعد النمو الذي شهده بنحو 56 في المئة في 2021، مبيناً أن سعر خام التصدير الكويتي بلغ 101 دولار للبرميل في 2022، أي أعلى قليلاً من أسعار الخامات المرجعية (مزيج خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط).
وأوضح أن تخفيضات الإنتاج انعكست على الكويت، التي تراجعت حصة إنتاجها بـ135 ألف برميل يومياً مقارنة بالمستوى المرجعي لشهر أغسطس، ليصل بذلك الإنتاج إلى 2.68 مليون برميل يومياً - وهو المستوى الذي وصلت إليه الكويت في ظل امتثالها الكامل لاتفاق «أوبك+» في ديسمبر الماضي.
وتوقع التقرير أن يبقى الإنتاج عند هذا المستوى طوال 2023 ما لم يدفع تشديد أوضاع السوق المجموعة لزيادة الإنتاج، مبيناً أن التوقعات تشير لارتفاع أسعار النفط من المستويات الحالية التي تبلغ نحو 83 دولاراً للبرميل لتصل في المتوسط إلى 90 دولاراً للبرميل في 2023 مع تشديد أساسيات سوق النفط، كما من المتوقع أن يتجاوز الطلب على النفط مستويات العرض.
الإنفاق الاستهلاكي
وأفاد التقرير بأنه وفقاً لمعاملات البطاقات المصرفية، كان الإنفاق الاستهلاكي قوياً في الربع الرابع من 2022، إذ ارتفع بنحو 16 في المئة على أساس سنوي (+4.7 في المئة على أساس ربع سنوي)، ما ساهم في تعزيز النشاط غير النفطي خلال هذا الربع على خلفية قوة الدعم المالي الحكومي وسط ارتفاع أسعار النفط، إلا أن وتيرة النمو واصلت التباطؤ من 17 في المئة على أساس سنوي في الربع السابق (ومعدلات الذروة البالغة 31 في المئة المسجلة في الربع الأول من 2022)، في ظل عودة الأوضاع لمستوياتها الطبيعية بما في ذلك الطلب المكبوت بعد الجائحة ونمو سوق العمل والأجور ومعنويات المستهلكين.
وأضاف «قد يكون ارتفاع تكاليف القروض، نظراً لارتفاع أسعار الفائدة العالمية والمحلية، أحد المتغيرات التي أثّرت على المقترضين المحتملين»، موضحاً أن إجمالي الإنفاق ارتفع في 2022 بنسبة 22 في المئة على أساس سنوي، ومن المتوقع أن يشهد العام الجاري استمرار تباطؤ نمو الإنفاق، إلا أن الموازنة الحكومية التوسعية التي تم الإعلان عنها أخيراً قد تدعمه.
تعافي سوق العمل
وذكر التقرير أن الدلائل تشير إلى أن سوق العمل قد بدأ يتعافى بعد صدمة الجائحة، حيث كشفت بيانات الإدارة المركزية للإحصاء ونظام معلومات سوق العمل عن ارتفاع معدل نمو العمالة الإجمالية (باستثناء العمالة المنزلية) بما نسبته 3.8 في المئة على أساس سنوي في الربع الثالث من 2022 مع عودة العمالة الوافدة مرة أخرى للبلاد، رغم أن الحفاظ على هذا المعدل قد يتطلب زيادة في أنشطة المشاريع.
وبيّن أنه في الوقت ذاته، ارتفع معدل توظيف المواطنين الكويتيين بما نسبته 3.4 في المئة على أساس سنوي ليصل إلى نحو 439 ألف وظيفة في الربع الثالث من 2022، بدعم رئيسي من تعيينات القطاع العام، لافتاً إلى أن عام 2023 قد يشهد المزيد من النمو في ضوء مسودة الموازنة للسنة المالية 2023/ 2024 والتي خصصت نفقات تغطي نحو 21 ألف وظيفة جديدة للمواطنين الكويتيين.
مبيعات العقار
وأشار التقرير إلى تحسن مستويات الصفقات العقارية هامشياً في الربع الرابع من 2022، إذ ارتفعت قيمتها إلى 840 مليون دينار (+3.7 في المئة على أساس ربع سنوي، +2.9 في المئة على أساس سنوي) بدعم من تحسن مبيعات العقارات السكنية (+10.6 في المئة على أساس ربع سنوي) ومبيعات القطاع الاستثماري (+6.8 في المئة على أساس ربع سنوي).
وتابع «في المقابل، تراجعت مبيعات القطاع التجاري في الربع الرابع من 2022، رغم تسجيلها لمكاسب قوية في الربع الرابع من 2021 (+74 في المئة) وسط تحسن بيئة الأعمال. وبالنسبة لعام 2022 ككل، انخفضت المبيعات العقارية بنسبة متواضعة بلغت 1.5 في المئة لتصل إلى 3.6 مليار دينار، ما يعكس إلى حد كبير الانخفاض الملحوظ لمبيعات القطاع السكني (-30 في المئة إلى 1.9 مليار دينار) بعد الأداء الاستثنائي الذي شهده القطاع في 2021»، مبيناً أن آفاق النمو تشير إلى أداء جيد في 2023 رغم زيادة تكلفة الاقتراض وارتفاع التقييمات العقارية، خاصة للقطاع السكني، ما يهدد تلك التوقعات، أما على الصعيد الإيجابي، فيتوقع التقرير مواصلة عودة أوضاع أنشطة العمل وسوق إيجارات الوافدين – من المحركات الرئيسية للقطاعين التجاري والاستثماري – لمستوياتها الطبيعية.
إسناد المشاريع
وذكر التقرير أن أنشطة المشاريع انتعشت في الربع الرابع من 2022 بعد الأداء الضعيف الذي شهدته في الربع الثالث من 2022، إذ ارتفعت قيمة العقود المسندة بأكثر من 6 أضعاف لتصل إلى 383 مليون دينار بفضل مشاريع القطاع النفطي، إلا أن الإجمالي السنوي بلغ نحو 832 مليون دينار (-47 في المئة على أساس سنوي)، فيما يعد أدنى المستويات المسجلة منذ عام 2005.
وأوضح أن ذلك قد يكون انعكاساً للتأخيرات التشريعية، وارتفاع تكاليف مشتريات المواد الخام، واستمرار نقص العمالة بعد الجائحة، منوهاً إلى أنه وفقاً لمجلة «ميد»، تشير التوقعات المستقبلية لسوق المشاريع في 2023 إلى مستويات أفضل قد تصل إلى 4.2 مليار دينار، مع توقع تقديم العطاءات الخاصة بمشروع محطة الزور للطاقة لتوليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه (1.2 مليار دينار) التابع لهيئة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص ومشروع إعادة الغطاء النباتي الذي سيتم تنفيذه في المنطقة الواقعة في مناطق شمال وجنوب الكويت التابع لشركة نفط الكويت (1 مليار دينار)، إلا أنه من المرجح أن تؤدي استقالة الحكومة إلى تأخير الموافقات اللازمة لتنفيذ تلك المشاريع.
عجز الموازنة
وأفاد التقرير بأنه ضمن عرض الحكومة لموازنة 2023/ 2024، أدرجت للمرة الأولى ضمن بند الإيرادات «إيرادات الجهات المستقلة» بقيمة إجمالية 1.8 مليار دينار، حيث تساهم إضافة هذا البند بخفض العجز إلى 5.1 مليار دينار، منوهاً إلى أنه إذا تم استبعاد البنود الجديدة على جانبي الإيرادات والنفقات سيتسع العجز إلى 5.3 مليار دينار، ما يمثل زيادة هائلة مقارنة بالعجز المتوقع بقيمة 123 مليوناً للسنة المالية الحالية.
وبيّن أن الترجيحات تشير إلى أن الموازنة الحكومية قد تحقق فائضاً صغيراً بنهاية المطاف، يصل لنحو 600 مليون دينار (1.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي)، وذلك وفقاً للتوقعات التي تشير إلى ارتفاع أسعار النفط وبالتالي العائدات النفطية المحققة مقارنة بالمستويات المدرجة ضمن الموازنة (90 دولاراً للبرميل مقابل 70 دولاراً )، وباعتبار أيضاً التوجهات التاريخية للحكومة والتي تتمثل في عدم إنفاق كامل مخصصات الموازنة (90-95 في المئة من الموازنة).
وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من أن الارتفاع المتوقع للنفقات الحكومية سيدعم الطلب على المدى القريب، إلا أنه يضيف أيضاً إلى ضغوط الاستدامة المالية على المدى الطويل، خصوصاً في سياق استمرار الاعتماد المفرط على العائدات النفطية المتقلبة (88 في المئة من إجمالي الإيرادات)، وتدفقات الإيرادات غير النفطية المحدودة، واستهداف مستويات منخفضة من الإنفاق الرأسمالي، وتباطؤ وتيرة الإصلاحات بسبب الجمود التشريعي، موضحاً أنه بالنظر للوضع الحالي، فقد تمر بضعة أشهر قبل إقرار البرلمان للموازنة، ما قد يؤجّل انتعاش الاقتصاد الناجم عن زيادة النفقات حتى وقت لاحق من العام الجاري.
رفع الفائدة
ونوه إلى قيام بنك الكويت المركزي بالتحرك بوتيرة أكبر لرفع الفائدة في آخر مرتين، إذ رفع سعر الخصم بمقدار 50 نقطة أساس، ما أدى لوصول المعدلات إلى مستويات أكثر اتساقاً مع السعر المستهدف للاحتياطي الفيديرالي الأميركي، مبيناً أنه من المتوقع أن يقوم «الفيديرالي» برفع الفائدة 75 نقطة أساس في النصف الأول من 2023، ما يشير إلى إمكانية رفع «المركزي» لسعر الخصم أيضاً.
وأفاد التقرير بأن الارتفاعات الأخيرة قد تشير إلى أن تحركات «المركزي» قد تكون متقاربة مع «الفيديرالي» أكثر مما كان عليه في 2022، موضحاً أن الترجيحات تشير إلى أن «الفيديرالي» قد يبدأ خفض الفائدة في 2024 بدلاً من النصف الثاني من 2023.
نمو الائتمان بين 5 و6 في المئة
وذكر تقرير «الوطني» أنه على الرغم من تباطؤ وتيرة الائتمان المحلي بنهاية 2022 إلا أنه سجل نمواً بـ7.7 في المئة على أساس سنوي، فيما يعد أسرع معدل نمو سنوي منذ 2015، موضحاً أنه مع بداية عام 2023، تشير التقديرات لاستمرار تباطؤ وتيرة نمو الائتمان، على أن يبقى محتفظاً بمستويات قوية تتراوح ما بين 5-6 في المئة، وأنه في الوقت الذي قد يضع المقترضون في اعتبارهم تشديد السياسة النقدية، إلا أن الطلب على الائتمان سيبقى مرناً نسبياً. وفي ما يتعلق بأداء بورصة الكويت خلال 2023، أفاد التقرير بأن الأسهم المحلية ستواصل التأثر بتطورات السوق الدولية، بما في ذلك أسعار النفط والنمو الاقتصادي والتضخم وسياسات «الفيديرالي» الأميركي.