في البداية نُعزي الشعبين السوري والتركي على هذا المصاب الأليم، وهذه الأعداد الهائلة من الضحايا التي سقطت بسبب الزلازل الأخيرة، ونسأل الله تعالى أن يتقبّل الضحايا عنده برحمته الواسعة وان يمُنّ على الجرحى بالشفاء العاجل، وعلى أسرهم الكريمة بالصبر والسلوان.

لقد وصف الله سبحانه وتعالى الزلازل والكوارث الطبيعية فجعل هذه الظواهر من الآيات العظيمة في القرآن الكريم من خلال الإشارة إلى حركات الأرض ونشاطاتها الجيولوجية من اهتزازات وارتجاجات وما يتبعها من أضرار وتدمير وهلاك للكائن الحي وممتلكاته على سطح الأرض، ومن هذه الآيات:-

*(إذا رُجّت الأرض رجاً* وبُسّت الجبال بسّاً* فكانت هباءً منبثاً *)

استيقظ الشعبان العزيزان في كل من تركيا وسورية فجراً، على واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية التي شهدها العالم منذ عقود.

المشاهد والصور التي توالت تباعاً من مناطق الكارثة تُمزق وتدمي القلوب، وتكرس في داخلنا حالة هي مزيج من الفجيعة والضعف، والشعور بحقيقة هذه الحياة كمحطة عابرة لا تستحق أن يُكرّس فيها الانسان جهده في اشغالات واهتمامات تغذي نوازع الكراهية والصراع والعصبية.

أمام ضربات الزلازل، تعجز قوة البشر مهما تعاظمت وكبرت حيث تأتي الضربات ليلاً أو نهاراً، تأتي بغتة فلا يفيد التنبؤ في الفرار منها، وكم من مرة تنبأ فيها العلماء بوقوع الزلازل ولم تقع.

والزلزال كلمة توحي بالرهبة الشديدة، والانقلاب الحاد في ما تعود عليه الناس من فُجاءة الموت وفقد الأحبة ودمار الممتلكات، مما يستدعي فرق الإنقاذ والأهالي بعد تلك الظاهرة يسارعون لإنقاذ مَنْ تضرروا من جراء هذه الكارثة.

نحن لا نعي تحركات الأرض، والتي لا تتحرك إلاّ بإذن الله، وحين تميد الأرض من تحتنا، هنا يشعر الجميع بضعفهم الشديد أمام قوة الله التي لا تحدها حدود، فيعلمون أن قرارهم على الأرض مرهون بعناية الله لهم، فيتأكدون أن القوة لله جميعاً، وتتجلى عظمته في انه خلق الكون على نظام و قوانين محددة، ولا شك ان هذه القوانين قائمة بالله وكل ما يجري بإذنه تعالى.

الكوارث الطبيعة كالزلازل والاعاصير والفيضانات وغيرها من الكوارث غير الاعتيادية تُعد من الطبيعة الخارجة عن السيطرة، وهذا ماقد يجعل التعامل معها صعباً، وبالرغم من انها لاتستغرق وقتاً، وربما ثواني معدودة، إلا ان آثارها لا تنتهي بمجرد توقفها، ويستمر تأثيرها لساعات وأيام طويلة، والمخاطر المحتملة للزلازل مقتل وإصابة العديد من البشر ناهيك البحث المستمر عن المحاصرين تحت الأنقاض، وقد يتعرض الكثيرون لاضطرابات نفسية بعد معايشة الزلزال نتيجة فقدان الأحبة أو صدمة الحادث المفاجئ، ما يجعلهم تحت وطأة اضطراب ما بعد الصدمة، بخلاف المشكلات النفسية الأخرى كالقلق والاكتئاب.

فهي بمثابة إنذار للإنسان، وهي التي تحفّزه على التفكير في دراسة تلك الظواهر الطبيعية ومعرفة أسبابها وكيفية التغلب عليها ومواجهتها، فيقوم باختراع آلات دقيقة تكشف عن أسباب هذه الزلازل ومعرفة وقت حدوثها، وكذلك في محاولة التوصل إلى الطريقة الصحيحة لبناء المباني التي تقاوم الزلازل فلا تتعرض للانهيار، كما فعل اليابانيون الذين بنوا أبنيتهم بشكل لا تُهدم ولا تتحطم ولا تقتل الإنسان إذا وقع زلزال، وبالتالي يتغلغل الإنسان في مزيد من غوامض الكون فيعرف أسراره، خاصة واننا نعيش في عالم مشغول بالحروب الخارجية، صراعات وعداوات ولا نتنبه لقوانين الكوارث الطبيعية لأخذ الحيطة والحذر والعمل على بذل جهد أكبر من أجل إجراء البحوث العلمية لمعرفة سبب تلك الظواهر وتفادي الخسائر الفادحة قدر الإمكان، والتي لها آثار ونتائج مأسوية سيئة جداً على الإنسان.

هذه الزلازل تحدث بأمر الله سبحانه وتعالى كما قال الله تعالى (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ).

ونحن لا نعلم حكمة الله منها فالعلم عنده، فقد تكون ابتلاء من الله لعباده واختباراً لهم، فالانسان في هذه الدنيا معرّض للابتلاء والاختبار في كل لحظة، أنصبر أم نسخط، وأيضاً اختباراً لمَنْ شاهد هذه المصيبة وسمع بها، أيمد يد العون لاخوانه المتضررين أم يقف متفرّجاً لا يبالي بما حدث؟ فالكل إذاً مختبر وممتحن، ومَنْ فقد حياته في هذه الكارثة فهو شهيد بإذن الله إن كان من الصالحين.

هذه الواقعة المأسوية والأليمة يصعب مداواتها بسهولة، إلا انها قد تتحوّل إلى حالة مثمرة، طالما خلقت التأثير اللازم لدفع الجميع نحو استغلالها لتعزيز روح التضامن في العلاقات الدولية، وإعادة النظر في تصوراتنا للأشياء، والأحداث والعلاقات على النحو الذي يُمكّن من دفع هذه الفكرة إلى الأمام، لتجعلها معياراً أساسياً في التعامل مع بعضنا البعض وتحقيق روح التكافل الانساني كأشخاص وشعوب.

فقد أبرزت حالة الزلزال في سورية وتركيا مدى الحاجة إلى العمل الجماعي للتغلّب على هذه التحديات، إن مثل هذه الكوارث تدعو المجتمع الدولي إلى تكريس جهوده لتقوية بنيته المؤسسية والتشريعية لتكون قادرة على الاستجابة لمواجهة الكوارث الطبيعية عند وقوعها، إن هذه الجهود سوف تساعد في سرعة تجاوز آثار هذه الكوارث وتوفير الجهد المشترك للتعامل مع هذا النوع من التحديات.

شاهدنا جميعاً الأمر الذي تجلى بوضوح من خلال هذا الحشد الاستثنائي لدول العالم لإغاثة منكوبي الزلزال، في واحد من المشاهد النادرة التي ظهر فيها المجتمع الدولي كأسرة واحدة، وجدت نفسها معنية ومسؤولة أخلاقياً بالانخراط في جهود مواجهة وتخفيف آثار وتداعيات هذه الكارثة، وقد مثلت هذه الحالة الاستثنائية في التضامن الدولي والشعور العاطفي لضحايا الزلزال والوقوف مع شعبي تركيا وسورية بشكل عام، نقطة مضيئة في زحمة المنظر المروع والمأسوي للكارثة، ولا شك في أن هذه الصورة الإنسانية من التعاطف الدولي ستفرض نفسها دائماً عند كل محطة لتذكر الواقعة المؤسفة مستقبلاً.

ختاماً:

فتح زلزال شرق المتوسط وما تلاه من تبعات مفجعة فرصاً جديدة لاستعادة روح التعاون والتنسيق بين دول العالم فيما يتعلّق بالتعامل مع الكوارث الطبيعية، وهو الأمر الذي يفرض علينا إعادة النظر في القانون الدولي الإنساني، للتأكيد على روح التعاون والتنسيق التي يجب أن تسود بين الدول في حالات الأزمات والكوارث.

وفي الحقيقة... نحن بإزاء حالة فريدة من التضامن تستحق أن يتم التقاطها للبناء عليها، وتحويلها إلى مُعبّر ومعيار جديد لعلاقات الأمم والشعوب بعضها مع بعض.

كلنا أمل بأن ينجح العالم في الاستفادة من الكارثة لإعادة صياغة علاقاته ونظرته للتعاون الدولي، وفق معايير جديدة تنبع من هذه الفكرة، ومن ثم استنهاض الضمير الأخلاقي والحرص من أجل ترميم العلاقات بين الدول وبالتالي سوف تنجح فيما فشلت فيه الديبلوماسية الروتينية وألا تكون مجرد حالة موقتة تنتهي بمرور الأزمة وتعود البلدان إلى حالة الصراعات والأزمات من جديد.

اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمدلله رب العالمين.